للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد رثي ابن الزبير وأخوه مصعب بمراثٍ كثيرة حسنة بليغة، من ذلك قول عَمْرو بن معمر (١) الذهلي يرثيهما بأبيات:

لعمركَ ما أبقيتَ في الناسِ حاجةً … ولا كنتَ ملبوسَ الهدى متذبذبا

غداةَ دعاني مصعبٌ فأجبتهُ … وقلتُ له أهلًا وسهلًا ومرحبا

أبوكَ حواريُّ الرسولِ وسيفهُ … فأنتَ بحمدِ اللَّه منْ خيرنا أبا

وذاكَ أخوكَ المهتدى بضيائهِ … بمكةَ يدعونا دعاءً مثوَّبا

ولمْ أكُ ذا وجهينِ وجهٌ لمصعبٍ … مريضٌ ووجهٌ لابنِ مروانَ إذْ صبا

وكنتَ امرأً ناصحتهُ غيرَ مؤثرٍ … عليهِ ابنَ مروانٍ ولا متقرِّبا

إليه بما تقذى بهِ عينُ مصعبٍ … ولكنني ناصحتُ في اللَّه مصعبا

إلى أن رمتهُ الحادتاتُ بسهمها … فللَّه سهمًا ما أسدَّ وأصوبا

فإنْ يكُ هذا الدهرُ أودى بمصعبٍ … وأصبحَ عبدُ اللَّه شلوًا ملحبا

فكل أمرئ حاسٍ منَ الموتِ جرعةً … وإن حادَ عنها جهدهُ وتهيبا (٢)

وقد روى الطبراني، عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير أن أباه حدَّثه أن النبي أعطاه دم محاجمه يهريقه فحساه، فلما رجع إلى النبي ، قال: "ما صنعت يا عبد اللَّه بالدم؟ قلت: جعلته في مكان ظننت أنه خافٍ على الناس، قال: فلعلك شربته؟ قلت: نعم! قال: ومن أمرك أن تشرب الدم؟ ويل لك من الناس، وويل للناس منك" (٣).

ودخل سلمان الفارسي مرة على النبي فإذا عبد اللَّه بن الزبير قائم في الدهليز ومعه طست يشرب منه فدخل سلمان ودخل عبد اللَّه على رسول اللَّه ، قال له: "فرغت؟ قال: نعم. قال سلمان: وما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: "أعطيته غسالة محاجمي يهريق ما فيها" قال سلمان: شربها والذي بعثك بالحق، قال: "شربته؟ " قال: نعم! قال: "لم؟ " قال: أحببت أن يكون دم رسول اللَّه في جوفي، فقال بيده على رأس ابن الزبير، وقال: "ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار إلا تحلة القسم" (٣). ولما بعث يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير ذلك القيد من ذهب وسلسلة من فضة وجامعة من فضة وأقسم لتأتيني فيها، فقالوا له: برَّ قسم أمير المؤمنين فقال:

ولا ألينُ لغيرِ الحقِّ أسألهُ … حتى تلينَ لضرسِ الماضغِ الحجرُ

ثم قال: واللَّه لضربة بسيف بعِزٍّ، أحب إليّ من ضربة بسوطٍ في ذُل، ثم دعا إلى نفسه وأظهر الخلاف ليزيد بن معاوية.


(١) في ط: "معمر بن أبي معمر"، وما هنا من م ومعجم المرزباني وتاريخ دمشق.
(٢) الأبيات في تاريخ دمشق (٢٨/ ٢٥٦) وبعضها في معجم الشعراء للمرزباني (ص ٢٢٦).
(٣) انظر التعليق على هذا الحديث صفحة (١١١) رقم (١).