للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (٨) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٧ - ٩].

هذا الوحي: وحيُ إلهامٍ وإرشادٍ كما قال تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ الآية [النحل: ٦٨ - ٦٩]، وليس هو بوحي نبوّةٍ، كما زعمه ابن حَزمٍ. وغير واحدٍ من المتكلّمين، بل الصّحيح الأول؛ كما حكاه أبو الحسن الأشعريّ عن أهل (١) السُّنَة والجماعة.

قال السُّهَيلي (٢): واسم أم موسى أيارخا. وقيل: أياذخت. والمقصود أنها أُرشدت إلى هذا الذي ذكرناه، وأُلقيَ في خَلَدها ورَوْعها أنْ لا تخافي، ولا تحزني؛ فإنه إنْ ذَهَب فإن الله سيردّه إليك، وإن الله سيجعله نبيًا مرسلًا يُعلي كلمته في الدنيا والآخرة، فكانت تصنع ما أُمرت به، فأرسلته ذاتَ يوم وذَهَلَتْ أن تربط طرف الحبل عندَها، فذهب مع النيل، فمرّ على دارِ فرعون ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ قال الله تعالى: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾. قال بعضهم (٣): هذه لام العاقبة، وهو ظاهر إن كان متعلقًا بقوله ﴿فَالْتَقَطَهُ﴾، وأمّا إن جعل متعلقًا بمضمون الكلام، وهو أنَّ آل فرعون قُيِّضوا لالتقاطه ليكونَ لهم عدوًّا وحزَنًا، صارت اللّام معلِّلةً كغيرها، والله أعلم. ويقوّي هذا التقدير (٤) الثاني قوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾؛ أي: هم أهلٌ لهذا التقييض ليكون أبلغ في إهانتهم، وأقوى في حسرتهم؛ أن يربّوا عدوَّهم في دارهم. ولهذا قال: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ (٥). وهو الوزير السَّوْء ﴿وَجُنُودَهُمَا﴾ المتابعين لهما ﴿كَانُوا خَاطِئِينَ﴾؛ أي كانوا على خلاف الصّواب، فاستحقوا هذه العقوبة والحسرة.

وذكر المفسّرون (٦): أنّ الجواري التقطْنه من البحر في تابوتٍ مغلق عليه، فلم يتجاسرْنَ على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم بن عُبَيد بن الرَّيَّان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف، وقيل: إنّها كانت من بني إسرائيل من سِبط موسى، وقيل: بل كانت عمته. حكاه السُّهيلي (٧)، فالله أعلم.


(١) في ب: عن مذهب أهل.
(٢) في التعريف والإعلام فيما أُبهم في القرآن من الأسماء والأعلام (مخطوط) الورقة (٤٦).
(٣) كأبي حيان في البحر المحيط (٧/ ١٠٥)، والزمخشرى في الكشاف (٣/ ١٦٦).
(٤) ليست في ب.
(٥) من قوله: إن فرعون وهامان وجنودهما .. إلى قوله: … عدوًا وحزنًا، سقط من ط.
(٦) كالطبري في: تفسيره (٢٠/ ٢١).
(٧) التعريف والإعلام الورقة (٤٦).