للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيأتي مدحُها والثناءُ عليها في قصّة مريمَ بنتِ عمران، وأنّهما يكونان يوم القيامة من أزواجِ رسولِ الله في الجنَّة. فلما فتحتِ الباب، وكشفت الحجاب، رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبويّة، والجلالة الموسويّة، فلمّا رأته ووقع نظرها عليه أحبَّته حبًّا شديدًا جدًا، فلما جاء فرعونُ قال: ما هذا؟ وأمَرَ بذبحه، فاستوهبته منه، ودفعت عنه ﴿وَقَالَتِ … قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾، فقال لها فرعون: أمّا لكِ فنعم، وأمَّا لي فلا، أي: لا حاجة لي به. والبلاءُ مُوَكَّلٌ بالمنطِقِ (١).

وقولها: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾، وقد أنالها الله ما رَجَت منه من النفع، أَمّا في الدُّنيا فهداها الله به، وأمّا في الآخرة فأسكنها جنته بسببه، ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾؛ وذلك أنّهما تبنّياه لأنه لم يكن يولد لها (٢) ولد.

قال الله تعالى: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾؛ أي: لا يدرون ماذا يريد الله بهم أَنْ قيّضهم لالتقاطه من النقمة العظيمة بفرعون وجنوده (٣). ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: ١٠ - ١٣].

قال ابن عبَّاس، ومجاهد، وعكرمه (٤)، وسعيد بن جُبيرِ، وأبو عُبيدة، والحسن (٥)، وقتادة،


(١) قطعة من حديث جرى مجرى المثل، ذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص (١٤٧ - ١٤٨) وأطال الكلام عليه، والسيوطي في الجامع الصغير (١/ ٤٣٥).
وأورده أبو عبيد (٧٥) بلفظ: "البلاء موكل بالقول". وهو في: الفاخر (٢٣٥) وجمهرة الأمثال (١/ ٢٠٧) وفصل المقال (٩٥) والمستقصى (١/ ٣٠٥) ومجمع الأمثال (١/ ١٧) ونهاية الأرب (١٦/ ٣٠٨) وتمثال الأمثال (١/ ٢٦٣).
- وهو يضرب فى كلمة يتكلم بها الرجل فتكون باعثة للبلاء. وأوله: "ما من طامة إلا وفوقها طامة. والبلاء .. " وهو حديث ضعيف.
- وقد اختلف فيمن هو قائله، فذكر صاحب الفاخر، وعنه أخذ الميداني أن أبا بكر أول من قاله، عندما عرض النبي نفسه على وفد ربيعة، وأخذ أبو بكر يسألهم عن أنسابهم، ونسبه في الجمهرة إلى الرسول .
وقد نظمه بعضهم في بيت شعر فقال:
احفظ لسانك أن تقول فتُبتلى … إن البلاء موكل بالمنطق
(٢) كذا في أ. وفي ب، وط: لهما.
(٣) زاد في ب: وعند أهل الكتاب أن التي التقطت موسى وربته ابنة فرعون. وليس لامرأته ذكر بالكلية. وهذا في غلطهم على كتاب الله ﷿.
(٤) هو عكرمة البربري.
(٥) إذا أطلق الحسن فهو الحسن بن يسار البصري.