للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن أحمد بن أبي خلف، حدّثنا سفيان (١)، عن سالم بن أبي حفصة. قال: لما أُتي بسعيد بن جبير إلى الحجاج قال له: أنت الشقي بن كسير؟ قال: لا! إنما أنا سعيد بن جبير، قال لأقتلنك، قال: أنا إذًا كما سمتني أمي سعيدًا! قال شقيت وشقيت أمك، قال: الأمر ليس إليك. ثم قال: اضربوا عنقه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، قال: وجَّهوه إلى قبلة النصارى، قال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥] قال: إني أستعيذ منك بما استعاذت به مريم، قال: وما عاذت به؟ قال: قالت ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٨] قال سفيان: لم يقتل بعده إلا واحدًا.

[وفي رواية أنه قال له: لأبدلنك بالدنيا نارًا تَلَظَّى، قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلَهًا.

وفي رواية أنه لما أراد قتله قال: وجِّهوه إلى قبلة النصارى، فقال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ فقال: اجلدوا به الأرض، فقال: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: ٥٥] فقال: اذبح فما أنزعه لآيات الله منذ اليوم. فقال: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي. وقد ذكر أبو نعيم هنا كلامًا كثيرًا في مقتل سعيد بن جبير، أحسنه هذا، واللّه أعلم] (٢).

وقد ذكرنا صفة مقتله إياه، وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله، أكثرها لا يصح، وقد عوجل الحجاج، فلم يلبث بعده إلا قليلًا ثم أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، كما سنذكر وفاته في السنة الآتية، فقيل إنه مكث بعده خمسة عشر يومًا، وقيل أربعين يومًا، وقيل ستة أشهر، واللّه أعلم. وتنغصت به على الحجاج حياته في يقظته ومنامه.

واختلفوا في عمر سعيد بن جبير حين قتل، فقيل تسعًا وأربعين سنة (٣)، وقيل سبعًا وخمسين، فالله أعلم. قال أبو القاسم اللالكائي: كان مقتله في سنة خمس وتسعين، وذكر ابن جرير مقتله في هذه السنة - سنة أربع وتسعين - فالله أعلم.

[قلت: هاهنا كلمات حسان من كلام سعيد بن جبير أحببت أن أذكرها. قال: إن أفضل الخشية أن تخشى الله خشية تحول بينك وبين معصيته، وتحملك على طاعته، فتلك هي الخشية النافعة. والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكرٍ له، وإن كثر منه التسبيح وتلاوة القرآن.

قيل له: من أعبد الناس؟ قال: رجل اقترف من الذنوب، فكلما ذكر ذنبه احتقر عمله.

وقال له الحجاج: ويلك! فقال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار، فقال: اضربوا عنقه، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أستحفظك بها حتى ألقاك يوم القيامة فأنا


(١) في ط: شعبان؛ تحريف.
(٢) ما بين معكوفين زيادة من ط، وهي موافقة للمصادر.
(٣) طبقات ابن سعد (٦/ ٢٦٦).