للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ﴾ أي: من هذه البلدة (١) ﴿إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾، أي: فيما أقوله لك.

قال الله تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾، أي: فخرج من مدينة مِصْرَ من فوره على وجهه، لا يهتدي إلى طريق ولا يعرفه قائلًا: ﴿رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ (٢) وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢١ - ٢٤].

يخبر تعالى عن خروج (٣) عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفًا يترقّب؛ أي: يتلفّت خشية أن يدركه أحدٌ من قوم فرعون، وهو لا يدري أين يتوجَّه، ولا إلى أين يذهب، وذلك لأنّه لم يخرج من مصر قبلها.

﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾ أي: اتجه له طريقٌ يذهب فيه ﴿قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾. أي: عسى أن تكون هذه الطريق موصلة إلى المقصود، وكذا وقع، أوصلته (٤) إلى مقصود، وأي مقصود.

﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ وكانت بئرًا يستقون منها، ومَدْيَن (٥) هي المدينة التي أهلك الله فيها أصحاب الأَيْكة، وهم قوم شعيب، ، وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى في أحد قولي العلماء (٦)، ولما ورد الماء المذكور ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ أي: تكفكفان غنمهما أن تختلط بغنم النَّاسَ (٧). ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ


(١) قوله: أي: من هذه البلدة. زيادة في ب، وط.
(٢) الرعاء، بكسر الراء المهملة: جمع راعٍ، ويجمع أيضًا على رُعاة، ورُعيان. تفسير الطبري (٢٠/ ٣٦).
(٣) ليست في ب.
(٤) في ب: ووصلته.
(٥) مدين: على بحر القلزم (الأحمر) محاذية لتبوك على نحو ست مراحل، وبها البئر التي استقى منها موسى للسائمة.
(٦) وهو قول ابن عبَّاس وقتادة، وقد نقله المؤلف عن تفسير الطبري (٢٠/ ٣٥) بتصرف.
وأما القول الثاني فقد قال الطبري في تفسيره (٢٠/ ٣٤): وقوله: (عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) يقول: عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين، وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها، وذُكر أن الله قيض له إذ قال: (رب نجني من القوم الظالمين) فهيأ الله الطريق إلى مدين، فخرج من مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر ولا درهم ولا رغيف خائفًا يترقب حتى وقع إلى أمة من الناس يسقون بمدين.
(٧) زاد في ب: وعند أهل الكتاب أنهن كن سبع بنات، وهذا أيضًا من الغلط، ولعله كان له سبع، وإنما كان يستقي منهن اثنتان، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظًا، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى اثنتين.
وزاد مثل هذا في ط، وفيهما: .. الغلط وكأنه كُنَّ سبعًا ولكن إنما كان تسقي اثنتان منهن .. سوى بنتان. وواضح في هذه الزيادة الضعف والخطأ.