للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كم خرمت أيدي المنون من قرون بعد قرون، وكم غيرت الأرض ببلائها، وغيبت في ثراها، ممن عاشرت من صنوف وشيعتهم إلى الأمارس، [ثم رجعت عنهم إلى عمل أهل الإفلاس]:

وأنتَ على الدنيا مكبٌّ منافس … لخطَّابها فيها حريصٌ مكاثرُ

على خطر تمشي وتصبحُ لاهيًا … أتدري بماذا لو عقلتَ تخاطرُ

وإنَّ امرأً يسعى لدنياه دائبًا … ويذهلُ عن أخراهُ لا شكَّ خاسرُ

فحتَّام على الدنيا إقبالك؟ وبشهواتها اشتغالك؟ وقد وخطك القتير، وأتاك النذير، وأنت عما يراد بك ساهٍ، وبلذَّة يومك وغدك لاهٍ [وقد رأيت انقلاب أهل الشهوات، وعاينت ما حل بهم من المصيبات] (١):

وفي ذكر هولِ الموتِ والقبر والبلى … عَن اللهو واللذاتِ للمرءِ زاجرُ

أبعدَ اقترابِ الأربعين تربُّصٌ … وشيبُ قذال منذرٌ لك كاسِرُ (٢)

كأنكَ معنيٌّ بما هو ضائر … لنفسكَ عمدًا وعنِ الرشدِ حائرُ

انظر إلى الأمم الماضية والملوك الفانية كيف أفنتهم (٣) الأيام، ووافاهم الِحمام، فانمحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها أخبارهم [وأضحوا رممًا في التراب، إلى يوم الحشر والمآب] (٤):

أضحوْا رميمًا في الترابِ وعطَّلتْ … مجالس منهم وأقفرت مقاصرُ (٥)

وحلُّوا بدارٍ لا تزاورَ بينهم … وأنَّى لسكانِ القبورِ التزاورُ

فما إنْ ترى إلا قبورًا ثووا بها … مسطحة تُسفَى عليها الأعاصرُ

كم من ذي منعة وسلطان وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى فيها القصور والدساكر، وجمع فيها الأعلاق (٦) والذخائر [وملح السراري والحرائر].

فما صرفتْ كف المنية إذا أتتْ … مبادرةً تهوي إليه الذخائرُ

ولا دفعتْ عنه الحصونُ التي بنى … وحفَّ بها أنهارهُ والدساكرُ

ولا قارعتْ عنه المنية حيلة … ولا طمعتْ في الذبَّ عنه العساكرُ

أتاه من الله ما لا يُرد، ونزل به من قضائه ما لا يُصد، فتعالى الله الملك الجبار، المتكبر العزيز القهار، قاصم الجبارين، ومبير المتكبرين [الذي ذل لعزِّه كل سلطان، وأباد بقوته كل دَيّان].

مليكٌ عزيزٌ لا يُردُّ قضاؤهُ … حكيمٌ عليمٌ نافذُ الأمرِ قاهرُ


(١) ما بينهما زيادة من ط. والأبيات كلها في تاريخ دمشق (٤١/ ٤٠٤ - ٨٠٤).
(٢) في ط: للكابر.
(٣) في ط: اختطفتهم عقبان الأيام.
(٤) ما بين معكوفين زيادة من ط.
(٥) في ط: مجالسهم منهم وأخلى مقاصر، والمثبت يوافق تاريخ دمشق (٤١/ ٤٠٤).
(٦) في ط: الأموال.