للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنى كلُّ ذي عزَّ لعزةِ وجههِ … فكمْ منْ عزيرٍ للمهيمنِ صاغرُ

لقدْ خضعتْ واستسلمتْ وتضاءلتْ … لعزةِ ذي العرشِ الملوكُ الجبابرُ

فالبدار البدار، والحذار الحذار من الدنيا ومكايدها، وما نصبت لك من مصايدها، وتحلّت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها [وأبرزت لك من شهواتها، وأخفت عنك من قواتلها وهلكاتها] (١):

وفي دونِ ما عاينتَ من فجعاتها … إلى دفعها داعٍ وبالزهدِ آمرُ

فجدَّ ولا تغفل وكنْ متيقظًا … فعما قليلٍ يترك الدارَ عامرُ (٢)

فجدَّ ولا تغفل فعيشك (٣) زائلٌ … وأنتَ إلى دارِ الإقامةِ صائرُ

ولا تطلبِ الدنيا فإنَّ نعيمها (٤) … وإنْ نلت منها غبَّهُ لكَ ضائرُ

فهل يحرص عليها لبيب، أو يسر بها أريب؟ وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها، أم كيف تنام عينا من يخشى البيات، وتسكن نفس من توقع في جميع أموره الممات:

ألا لا ولكنا نغرُّ نفوسنا … وتشغلنا اللذاتُ عمّا نحاذرُ

وكيف يلذ العيش من هو مُوقفٌ … بموقفِ عدلٍ يومَ تبلى السرائرُ

كأنا نرى أن لا نشورَ وأننا … سدىً ما لنا بعد المماتِ مصائرُ

وما عسى أن ينال صاحب الدنيا من لذتها ويتمتع به من بهجتها، مع صنوف عجائبها وقوارع فجائعها، وكثرة تعبه في طلبها، وما يكابد من أسقامها وأوصابها وآلامها.

أما قد نرى في كلِّ يومٍ وليلةٍ … يروحُ علينا صرفها ويباكرُ

تعاورنَا آفاتُها وهمومُها … وكمْ قدْ ترى يبقى لها المتعاوِرُ

فلا هوَ مغبوطٌ بدنياهُ آمنٌ … ولا هوَ عنْ تَطْلابها النفس قاصرُ

كم قد غرت الدنيا من مخلد إليها، وصرعت من مكبٌ عليها، فلم تنعشه من عثرته، ولم تنقذه من صرعته، ولم تشفه من ألمه، ولم تبره من سقمه [ولم تخلصه من وصمه]:

بل أوردتهُ بعد عزٍّ ومنعةٍ … مواردَ سوءٍ ما لهنَّ مصادرُ

فلما رأى أن لا نجاةَ وأنهُ … هوَ الموتُ لا ينجيهِ منه التحاذرُ

تندَّم إذ لم تغنِ عنهُ ندامةٌ … عليهِ وأبكتهُ الذنوبُ الكبائرُ


(١) ما بينهما زيادة من ط.
(٢) البيت زيادة من ط.
(٣) مكانها في ط: فشمر ولا تفتر فعمرك …
(٤) في أ: طلابها، والمثبت يوافق تاريخ دمشق.