للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا جاوزتما نخلات نجد … وأوديةَ اليمامةِ فانعياني

وقولا جحدرٌ أمسى رهينًا … يحاذرُ وقعَ مصقولٍ يماني

فلما قدم الأسد على الحجاج أمر به فجوِّع ثلاثة أيام، ثم أبرز إلى حائر - وهو البستان - وأمر بجحدر فأخرج في قيوده ويده اليمنى مغلولة بحالها، وأعطي سيفًا في يده اليسرى، وخلي بينه وبين الأسد، وجلس الحجاج وأصحابه في منظرة، وأقبل جحدر نحو الأسد وهو يقول:

ليثٌ وليثٌ في مجالٍ ضنكِ … كلاهما ذو أنفٍ ومحكِ

وشدةٍ في نفسهِ وفتكِ … إنْ يكشفِ الله قناعَ الشكِّ

فهوَ أحقُّ منزلٍ بتركِ

فلما نظر إليه الأسد زأر زأرة شديدة وتمطى وأقبل نحوه فلما صار منه على قدر رمح وثب الأسد على جحدر وثبة شديدة فتلقّاه جحدر بالسيف فضربه ضربة خالط ذباب السيف لهواته، فخر الأسد كأنه خيمة قد صرعتها الريح، من شدة الضربة، وسقط جحدر من شدة وثبة الأسد ولموضع القيود عليه، فكبّر الحجاج وكبّر أصحابه وأنشأ جحدر يقول:

يا جُملُ إنكِ لو رأيتِ كريهتي … في يومِ هولٍ مسدفٍ وعجاجِ

وتقدُّمي لليثِ أرسفُ موثَقًا … كيما أساورهُ على الأخراجِ

شثنٌ براثنُه كأنَّ نيوبهُ … زرقُ المعاولِ أو شباةُ زجاجِ

يسمو بناظرتين تحسبُ فيهما … لهبًا أحدّهما شعاعُ سراجِ

وكأنما خيطت عليهِ عباءةٌ … برقاء أو خرقا منَ الديباجِ

لعلمتِ أني ذو حفاظٍ ماجدٍ … منْ نسلِ أقوامٍ ذوي أبراجِ

ثم التفت إلى الحجاج وقال:

ولئن قصدت إلى المنية عامدًا … إني لخيرك يا بن يوسف راج

علم النساء بأنني لا أنثني … إذ لا يثقن بغيرة الأزواج

وعلمت أني إن كرهت نزاله … إني من الحجاج لست بناجي (١)

فعند ذلك خيّره الحجاج إن شاء أقام عنده، وإن شاء انطلق إلى بلاده، فاختار المقام عند الحجاج، فأحسن جائزته وأعطاه أموالًا (٢).

وأنكر يومًا أن يكون الحسين من ذرية رسول الله لأنه ابن بنته، فقال له يحيى بن يعمر: كذبتَ!


(١) الأبيات الثلاثة ساقطة من ط.
(٢) تاريخ دمشق (١٢/ ١٤٨ - ١٥٠).