للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المدائني: أُتي الحجاج بأسيرين من أصحاب ابن الأشعث فأمر بقتلهما، فقال أحدهما: إن لي عندك يدًا، قال: وما هي؟ قال: ذكر ابن الأشعث يومًا أمك فرددت عليه، فقال: ومن يشهد لك؟ قال: صاحبي هذا! فسأله، فقال: نعم! فقال: ما منعك أن تفعل كما فعل؟ قال: بغضك، قال: أطلقوا هذا لصدقه، وهذا لفعله (١).

وحكى الواقدي أن الحجاج نادى في البلد: أي من خرج من بعد العشاء الآخرة من بيته قتل، فأُتي ليلة برجل، فقال: ما أخرجك من بيتك هذه الساعة من بعدما سمعت المنادي؟ فقال: أما واللّه إني لا أكذب الأمير، إن أمي مريضة هالكة، وأنا عندها منذ ثلاثة أيام، فلما كانت الساعة أفاقت وقالت: يا بني إني أعزم عليك إلا ما مضيت إلى أهلك وأولادك، فإنهم مغمومون بتخلفك عنهم، فخرجت من عندها فأخذني العسس، وأتوا بي إليك، فقال الحجاج: ننهاكم وتعصونا، ثم أمر به فضربت عنقه، قال: ثم أتى تاجر، فقال له الحجاج: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال: واللّه ما أكذبك إنه كان عندي لرجل دراهم، فأقعدني على بابه ولزمني، وقال: لا أفارقك إلا بحقي، فلما كان هذه الساعة دخل إلى منزله، وأغلق بابه، وتركني على بابه، فجاءني طائفك فأخذني إليك، فقال الحجاج: اضربوا عنقه، قال: ثم أتي بآخر، فقال له: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال: كنت أشرب مع قوم فلما سكرت خرجت من عندهم، وأنا لا أدري، فأخذوني إليك. فقال الحجاج لرجل كان عنده: ما أراه إلا صادقًا، ثم قال: خلّوا سبيله، فخلّوا سبيله (٢).

وذكر محمد بن زياد عن ابن الأعرابي فيما بلغه أنه كان رجل من بني حنيفة يقال له جحدر بن مالك وكان فاتكًا بأرض اليمامة، فأرسل الحجاج إلى نائبها يؤنبه ويلومه على عدم أخذه، فما زال نائبها في طلبه حتى أسره وبعث به إلى الحجاج، فقال له الحجاج: ما حملك على ما كنت تصنعه؟ فقال: جراءة الجنان، وجفاء السلطان، وكَلَب الزمان، ولو اختبرني الأمير لوجدني من صالح الأعوان، وشهم الفرسان، ولوجدني من أصلح رعيته، ذلك أني ما لقيت فارسًا قط إلا كنت عليه في نفسي مقتدرًا، فقال له الحجاج: إنا قاذفوك في حائر فيه أسد عاقر، فإن قتلك كفانا مؤنتك، وإن قتلته خلينا سبيلك. ثم أودعه السجن مقيدًا مغلولة يده اليمنى إلى عنقه، وكتب الحجاج إلى نائبه بكسكر أن يبعث بأسد عظيم ضار، وقد قال جحدر هذا في محبسه هذا أشعارًا يتحزن فيها على امرأته سليمى أم عمرو ويقول في بعضه:

أليسَ الليلُ يجمعُ أمَّ عمرو … وإيانا فذاكَ بنا تداني

بلى وترى الهلالَ كما نراهُ … ويعلوها النهارُ إذا علاني


(١) تاريخ دمشق (١٢/ ١٤٦) وتهذيب تاريخ دمشق (٤/ ٦٥).
(٢) القصة بكاملها ساقطة من ط، ب وهي في تاريخ دمشق (١٢/ ١٧٨ - ١٧٩) وتهذيب تاريخ دمشق (٤/ ٨٠) عن عمر بن عبد العزيز أنه سأل عنبسة بن سعيد عن بعض ما رأى من عجائب الحجاج. وذكرها الذهبي بهذا السند.