للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسمع استغاثة فقال: ما هذا؟ فقيل أهل السجون يقولون قتلنا الحر، فقال: قولوا لهم: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] قال: فما عاش بعد ذلك إلا أقل من جمعة (١).

وقال بعضهم: رأيته وهو يأتي الجمعة وقد كاد يهلك من العلة.

وقال الأصمعي: لما مرض الحجاج أرجف الناس بموته فقال في خطبته: إن طائفة من أهل الشقاق والنفاق نزغ الشيطان بينهم (٢) فقالوا: مات الحجاج، ومات الحجاج فمه؟! فهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت؟ واللّه ما يسرني أن لا أموت وأن لي الدنيا وما فيها، وما رأيت الله رضي التخليد إلا لأهون خلقه عليه إبليس، قال الله له ﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥] فأنظره إلى يوم الدين، ولقد دعا الله العبد الصالح فقال ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] فأعطاه الله ذلك إلا البقاء (٣). [ولقد طلب العبد الصالح الموت بعد أن تم له أمره، فقال ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٠١] فما عسى أن يكون أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، كأني واللّه بكل حي منكم ميتًا، وبكل رطب يابسًا، ثم نقل في أثياب أكفانه [فخد له في الأرض] ثلاثة أذرع (٤) طولًا في ذراع عرضًا، فأكلت لحمه، ومصَّت صديده، وانصرف الحبيب من ولده يقسبم الحبيب من ماله، إن الذين يعقلون يعقلون ما أقول، ثم نزل (٥).

وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما حسَدْتُ الحَجَّاج عدو الله على شيء حَسَدي إياه على حُبّه القرآن وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل (٦).

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدّثنا علي بن الجعد، حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن محمد بن المنكدر. قال: كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج فنفس عليه بكلمة قالها عند الموت: اللهم اغفر لي فإنهم يزعمون أنك لا تفعل (٧).


(١) تاريخ دمشق (١٢/ ١٩٢) وتهذيب تاريخ دمشق (٨٤ - ٨٥) ومروج الذهب (٣/ ١٦٧) وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٨١ - ١٠٠/ ص ٣٢٥).
(٢) في مروج الذهب وتاريخ الإسلام: نفخ الشيطان في مناخرهم.
(٣) في مروج الذهب (٣/ ١٦٧) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٨١ - ١٠/ ص ٣٢٥): ثم اضمحل فكأن لم يكن.
(٤) في مروج الذهب وتاريخ الإسلام: وبكل امرئ في ثياب طهور إلى بيت حفرته فخد له في الأرض خمسة أذرع طولًا في ذراعين عرضًا.
(٥) مروج الذهب (٣/ ١٤٢ - ١٤٣) والعقد الفريد (٣/ ١٧) وتاريخ دمشق (١٢/ ١٩٣) وتهذيب تاريخ دمشق (٤/ ٨٥) وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٨١ - ١٠٠/ ص ٣٢٥).
(٦) تاريخ دمشق (١٢/ ١٩٤) وتهذيب تاريخ دمشق (٤/ ٨٥) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٨١ - ١٠٠/ ص ٣٢٦).
(٧) المصدر نفسه.