للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الأجل الذي كان بينهما قال له صاحبُه: كلّ شاةٍ ولدت على غير لونها فلك ولدها، فعمد فوضع خيالًا على الماء، فلما رأت الخيال فزعت، فجالت جولة، فولدت كلهن بلقًا إلا شاةً واحدةً، فذهب بأولادهن ذلك العام. وهذا إسناد رجاله ثقات. واللّه أعلم.

وقد تقدّم عن نقل أهل الكتاب عن يعقوب حين فارق خاله لابان أنّه أطلق له ما يولد من غنمه بُلقًا، ففعلَ نحو ما ذكر عن موسى . فالله أعلم.

﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [القصص: ٢٩ - ٣٢].

تقدم أنّ موسى قضى أَتَمَّ الأجلين وأكملهما، وقد يؤخذ هذا من قوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾. وعن مجاهد أنّه أكمل عشرًا وعشرًا بعدها.

وقوله: ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ أي: من عند صهره ذاهبًا، فيما ذكره غير واحد من المفسّرين وغيرهم، أنّه اشتاق إلى أهله، فقصد زيارتهم ببلاد مصر في صورة مختفٍ، فلما سار بأهله ومعه ولدان منهم وغنم قد استفادها في مدَّة مقامه، قالوا: واتّفق ذلك في ليلةٍ مظلمةٍ باردةٍ، وتاهوا في طريقهم، فلم يهتد إلى السّلوك في الدَّرب المألوف، وجعل يوري (١) زناده فلا يوري شيئًا، واشتدّ الظلام والبرد، فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بُعدٍ نارًا تأجّج في جانب (٢) الطّور، وهو الجبل الغربيّ منه عن يمينه، فقال لأهله: ﴿امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾، وكأنَّه -واللّه أعلم- رآها دونهم، لأنّ هذه النار هي نور في الحقيقة، ولا تصلح رؤيتها لكلِّ أحدٍ، ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾، أي: لعلّي أستعلم من عندها عن الطريق، ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ فدلّ على أنّهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلةٍ باردةٍ ومظلمةٍ؛ لقوله في الآية الأخرى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ٩ - ١٠]، فدلّ على وجود الظلام، وكونهم تاهوا عن الطريق. وجمع الكلّ في قوله في النمل: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ


(١) يوري: يقدح.
(٢) جبل الطور: جبل بالقرب من مصر عند موضع يسمى مدين، وعليه كان الخطاب الثاني لموسى عند خروجه من مصر ببني إسرائيل.