للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [الآية: ٧]. وقد أتاهم منها بخبرٍ، وأي خبرٍ، ووجد عندها هُدًى، وأي هدًى، واقتبس منها نورًا، وأي نور.

قال اللّه تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: ٣٠].

وقال في النمل: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٨] أي: سبحان اللّه الذي يفعلُ ما يشاء، ويحكم ما يريد. ﴿يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل: ٩].

وقال في سورة طه ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾ [الآيات: ١١ - ١٦].

قال غير واحدٍ من المفسّرين من السّلف والخلف (١): لمّا قصد موسى إلى تلك النار التي رآها فانتهى إليها، وجدها تأجّج في شجرة خضراء من العَوْسَج (٢)، وكلّ ما لتلك النار في اضطرام، وكلّ ما لخضرة تلك الشجرة في ازدياد، فوقف متعجِّبًا، وكانت تلك الشجرة في لِحْف (٣) جبل غربي منه عن يمينه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ (٤) [القصص: ٤٤] وكان موسى في وادٍ اسمه طُوى، فكان موسى مستقبل القبلة، وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب (٥)، فناداه ربّه بالواد (٦) المقدّس طُوى، فأمر أولًا بخلع نعليه تعظيمًا وتكريمًا وتوقيرًا لتلك البقعة المباركة، ولاسيّما في تلك الليلة المباركة.

وعند أهل الكتاب: أنّه وضع يده على وجهه من شدّة ذلك النور مهابةً له، وخوفًا على بصره، ثم خاطبه تعالى كما يشاء قائلًا له: ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ أي: أنا رب العالمين (٧) الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلّا له. ثمّ أخبره أنّ هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنّما الدار الباقية يوم القيامة التي لابدّ من كونها ووجودها ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ أي: من خيرٍ وشرٍ. وحضَّه وحثَّه على العمل لها، ومجانبة مَن لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتّبع هواه.


(١) تفسير الطبري (١٦/ ١٠٨ - ١٠٩).
(٢) العوسج: شجر كثير الشوك، واحدته عوسجة.
(٣) اللِّحْف: أصل الجبل.
(٤) زاد في ط تتمة الآية: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
(٥) في ب: الغربي.
(٦) الوادي: معروف. وربما اكتفوا بالكسرة عن الياء. اللسان.
(٧) زاد في ط: ﴿الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾.