للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أيضًا: إن من تكلّم فأحسن قادر على أن يسكت فيحسن، وليس كل من سكت فأحسن قادرًا على أن يتكلم فيحسن (١).

ومن شعره يتسلى عن صديق له مات فقال (٢): [من الطويل]

وهوَّن وجدي في شراحيل أَنَّني … متى شئتُ لاقيتُ امرءًا مات صاحبهُ

ومن شعره أيضًا: [من الطويل]

ومن شِيمتي ألّا أفارقَ صاحبي … وإنْ ملَّني إلا سألتُ لهُ رُشْدًا

وإنْ دامَ لي بالودِّ دمتُ ولم أكُنْ … كآخرَ لا يرعَى ذِمامًا ولا عهدًا

وسمع سليمان ليلة صوت غناءٍ في معسكره فلم يزل يفحص حتى أتى بهم، فقال سليمان: الفرس ليصهل فتستودق له الرَّمَكة، وإن الجمل ليهدر فتضبَع له الناقة، وإن التيس لينب فتستخرم له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له المرأة، ثم أمر بهم ليخصوهم، فيقال إن عمر بن عبد العزيز قال: يا أمير المؤمنين إنها مثلة، فتركهم. وفي رواية أنه خصى أحدهم ثم سأل عن أصل الغناء فقيل إنه بالمدينة، فكتب إلى عامله بها وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يأمره أن يخصي من عنده من المغنين المخنثين (٣).

وقال الشافعي: دخل أعرابي على سليمان فدعاه إلى أكل الفالوذج وقال له: إن أكلها يزيد في الدماغ فقال: لو كان هذا صحيحًا لكان ينبغي أن يكون رأس أمير المؤمنين مثل رأس البغل (٤).

وذكروا أن سليمان كان نهمًا في الأكل، وقد نقلوا عنه أشياء في ذلك غريبة، فمن ذلك أنه اصطبح في بعض الأيام بأربعين دجاجة مشوية، وأربع وثمانين كلوة بشحمها، وثمانين جردقة، ثم أكل مع الناس على العادة في السِّماط العام (٥).

ودخل ذات يوم بستانًا له وكان قد أمر قيِّمه أن يجني ثماره، فدخل ومعه أصحابه فأكل القوم حتى ملوا، واستمرَّ هو يأكل أكلًا ذريعًا من تلك الفواكه، ثم استدعى بشاة مشوية فأكلها ثم أقبل على الفاكهة، ثم أتي بدجاجتين فأكلهما، ثم عاد إلى الفاكهة فأكل منها ثم أُتي بقعب يقعد فيه الرجل مملوءًا بسويق وسمن وسكر فأكله ثم صار إلى دار الخلافة، وأتي بالسماط فما فُقد من أكله شيء. وقد رُوي أنه عرضت له حمى عقب هذا الأكل أدته إلى الموت (٦).


(١) مختصر تاريخ دمشق (١٠/ ١٧٥).
(٢) الأبيات في مختصر تاريخ دمشق (١٠/ ١٧٥ - ١٧٦).
(٣) مختصر تاريخ دمشق (١٠/ ١٧٦ - ١٧٧).
(٤) المصدر نفسه (١٠/ ١٧٧).
(٥) الخبر في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٨١ - ١٠٠/ ص ٣٧٩) والجردقة: الرغيف (فارسي) وجمعها جرادق. القاموس (جردق).
(٦) الخبر بأطول مما هنا في مختصر تاريخ دمشق (١٠/ ١٧٧ - ١٧٨).