عبادته، فقم معي، فقاما يقصدان باب فرعون، فإذا هو مغلق، فقال موسى للبوَّابين والحجَبة: أعلموه أنَّ رسولَ الله بالباب، فجعلوا يسخرون منه ويستهزئون به.
وقد زعم بعضهم أنّه لم يؤذَن لهما عليه إلّا بعد حينٍ طويلٍ.
وقال محمد بن إسحاق: أُذن لهما بعد سنتين، لأنّه لم يكُ أحدٌ يتجاسر على الاستئذان لهما (١)، فالله أعلم.
ويقال: إنّ موسى تقدَّم إلى الباب فطرقه بعصاه، فانزعج فرعون، وأمر بإحضارهما، فوقفا بين يديه، فدعواه إلى الله ﷿ كما أمرهما.
وعند أهل الكتاب: أن الله قال لموسى ﵇: إن هارون اللاوي، يعني الذي من نسل لاوي بن يعقوب، سيخرج ويتلقّاك، وأمره أن يأخذ معه مشايخ بني إسرائيل إلى عند فرعون، وأمره أن يُظهر ما أتاه من الآيات، وقال له: سأُقسّي قلبه فلا يرسل الشعب، وأُكثر آياتي وأعاجيبي بأرض مصر.
وأوحى الله تعالى إلى هارون أن يخرج إلى أخيه يتلقّاه بالبرّيَّة عند جبل حوريب، فلما تلقّاه أخبره موسى بما أمره به ربّه، فلما دخلا مِصر جمعا شيوخ بني إسرائيل، وذهبا إلى فرعون، فلما بلَّغاه رسالة الله، قال: مَنْ هو الله؟ لا أعرفه، ولا أُرْسِلُ بني إسرائيل.
وقال الله تعالى مخبرًا عن فرعون: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (٥٤) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: ٤٩ - ٥٥].
يقول تعالى، مخبرًا عن فرعون: إنّه أنكر إثبات الصّانع تعالى قائلًا: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾، أي: هو الذي خلق الخلق، وقدَّر لهم أعمالًا وأرزاقًا وآجالًا، وكتب ذلك عنده في كتابه اللّوحِ المحفوظ، ثمّ هدى كل مخلوقٍ إلى ما قدَّره له، فطابَقَ عمله فيهم على الوجه الذي قدّره وعَلِمَه لكمال علمه وقدرته وقدره.
وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ١ - ٣] أي: قدّر قدرًا وهدى الخلائق إليه.
﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ يقول فرعونُ لموسى: فإذا كان ربُّك هو الخالق المقدِّر، الهادي الخلائق لما قَدَّره، وهو بهذه المثابة من أنّه لا يستحقُّ العبادة سواه، فلِمَ عبد الأوَّلون غيرَه، وأشركوا به من
(١) تاريخ الطبري (١/ ٤٠٥).