للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكواكب والأنداد ما قد علمت، فهلَّا اهتدى إلى ما ذكرته القرونُ الأولى؟! ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ أي: هم وإن عبدوا غيرَه، فليس ذلك بحجةٍ لك، ولا يدلُّ على خلافِ ما أقول؛ لأنَّهم جهلة مثلك، كل شيءٍ فعلوه مستطرٌ عليهم في الزُّبر من صغيرٍ وكبيرٍ، وسيجزيهم على ذلك ربِّي ﷿، ولا يظلم أحدًا مثقال ذرَّة، لأن جميع أفعال العباد مكتوبة عنده في كتابٍ لا يضلُّ عنه شيءٌ، ولا ينسى ربي شيئًا.

ثُمَّ ذكر له عظمة الرَّبّ وقدرته على خلق الأشياء، وجَعْلِه الأرضَ مهادًا والسماءَ سقفًا محفوظًا، وتسخيره السحاب والأمطار لرزق العباد ودوابّهم وأَنعامهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ أي: لذوي العقول الصحيحة المستقيمة، والفِطَر القويمة غير السَّقيمة (١)، فهو تعالى الخالق الرازق.

وكما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١ - ٢٢] ولما ذكر إحياء الأرض بالمطر، واهتزازها بإخراج نباتها فيه، نبَّه به على المعاد فقال: ﴿مِنْهَا﴾، أي: من الأرض خلقناكم ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾، كما قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: ٢٩]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)[الروم: ٢٧].

ثم قال تعالى (٢): ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (٥٨) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٦ - ٥٩].

يخبر تعالى عن شَقاء فرعون، وكثرة جهله، وقلّة عقله في تكذيبه بآيات الله، واستكباره عن اتِّباعها، وقوله لموسى: إن هذا الذي جئت به سحرٌ، ونحن نعارضك بمثله، ثم طلب من موسى أن يواعده إلى وقتٍ معلومٍ، ومكان معلومٍ، وكان هذا من أكبر مقاصد موسى أن يُظهر آياتِ الله وحججه، وبراهينه جَهْرة بحضرة النَّاس، ولهذا قال: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾، وكان يوم عيدٍ من أعيادهم، ومجتمع لهم، ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ أي: من أَوَّل النهار في وقت اشتداد ضياء الشمس، فيكون الحقّ أظهر وأجلى، ولم يطلب أن يكون ذلك ليلًا في ظلامٍ، كيما يروج عليهم محالًا وباطلًا، بل طلب أن يكون نهارًا جهرةً لأنه على بصيرة من ربّه، ويقينٍ أن الله سيظهرُ كلمته ودينه؛ وإن رغمت أنوف القبط.


(١) قوله: والفطر … السقيمة. سقط من ب.
(٢) قوله: ثم قال تعالى … زيادة من ط.