ولما حجَّ سليمانُ بن عبد الملك قال: انظروا إليَّ فقيهًا أسألُه عن بعض المناسك. قال: فخرج الحاجبُ يلتمس له، فمرَّ طاوس فقالوا: هذا طاوس اليماني، فأخذه الحاجبُ فقال: أجبْ أميرَ المؤمنين، فقال: اعْفني. فأبَى، فأدخله عليه؛ قال طاوس: فلما وقفتُ بين يديه قلت: إنَّ هذا المقامَ يسألُني الله عنه. فقال: يا أمير المؤمنين إنَّ صخرةً كانتْ على شفيرِ جهنَّم هوَتْ فيها سبعين خريفًا حتى استقرَّتْ في قرارها، أتدري لمن أعدَّها اللَّه؟ قال: لا!! ويلك لمن أعدها الله؟ قال: لمن أشرَكَهُ اللَّه في حُكْمِه فجار (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ١٥)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (٥/ ٤٢)، وابن رجب في التخويف من النار ص (٩١).). وفي روايةٍ ذكرها الزُّهري، أنَّ سليمان رأى رجلًا يطوفُ بالبيت، له جَمالٌ وكمال، فقال: مَنْ هذا يا زهري؟ فقلت: هذا طاوس، وقد أدرك عدَّة من الصحابة. فأرسل إليه سليمان، فأتاه فقال: لو ما حدثتنا؟ فقال: حدّثني أبو موسي قال: قال رسولُ الله ﷺ: "إن أهوَنّ الخلقِ على الله ﷿ منْ وَليَ من أمورِ المسلمين شيئًا فلم يعْدِلْ فيهم". فتغيَّرَ وجهُ سيمان؛ فأطرق طويلًا ثم رفَعَ رأسَهُ إليه فقال: لو ما حدثتنا؟ فقال: حدثني رجلٌ من أصحاب النبي ﷺ قال ابن شهاب: ظننت أنه أرادَ عليًّا - قال: دعاني رسولُ الله ﷺ إلى طعام في مجلسٍ من مجالس قريش، ثم قال: "إنَّ لكم على قُريشٍ حقًّا، ولهم على الناسِ حقّ، ما إذا استُرحموا رَحِمُوا، وإذا حكموا عدَلوا، وإذا ائتُمنوا أدَّوْا، فمنْ لم يفعلْ فعليه لعنةُ اللّهِ والملائكة والناسِ أجمعين، لا يقبل اللَّه منه صَرْفًا ولا عَدْلًا". قال: فتغيَّر وجْهُ سليمان، وأطرق طويلًا ثم رفع رأسه اليه وقال: لو ما حدثتنا؟ فقال: حدّثني ابن عباس أن آخر آيةٍ نزلتْ من كتاب اللَّه: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١]، (أخرجه بطوله أبو نعيم في الحلية (٤/ ١٥، ١٦).). وقال عبدُ الله بنُ أحمد بن حنبل: حدّثني أبو مَعمر عن ابنِ عُيينة، عن إبراهيم بنِ مَيْسرة، قال: قال عمر بنِ عبد العزيز لطاوس: ارفَعْ حاجتَك إلى أميرِ المؤمنين - يعني سُليمان - فقال طاوس: ما لي إليه من حاجة. فكأنه عجبَ من ذلك؛ قال سفيان: وحلف لنا إبراهيم وهو مستقبلٌ الكعبة: ورَبِّ هذا البيت، ما رأيتُ أحدًا الشريفُ والوضيعُ عنده بمنزلةٍ واحدة إلَّا طاوس (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ١٦).). قال: وجاء ابنٌ لسليمان بن عبد الملك، فجلس إلى جَنْب طاوس فلم يلتفِتْ إليه، فقيل له: جلس إليك أميرُ المؤمنين فلم تلتفتْ إليه؟ قال: أردتُ أنْ يعلَم هو وأبوه أنَّ للّه عبادًا يزهدون فيهم وفيما في أيديهم (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ١٦).). وقد روى عبدُ الله بن أحمد عن ابن طاوس قال: خرَجْنا حُجَّاجًا فنزَلْنا في بعضِ القُرَى، وكنتُ أخافُ أبي من الحُكَّام لشدَّتِهِ وغِلْظته عليهم، قال: وكان في تلك القرية عاملٌ لمحمد بن يوسف - أخي الحجَّاج بن يوسف - يقالُ له أيوب بن يحيى، وقيل: يقالُ له: ابن نجيح، وكان من أخبث عُمَّالهم كِبْرًا وتجبُّرًا، قال: فشهدنا صلاةَ الصُّبح في المسجد، فإذا ابنُ نجيح قد أخبر بطاوس، فجاء فقَعَدَ بين يديْ طاوس، فسلَّم عليه فلم يُجِبْه، ثم كلَّمه فأعرض عنه، ثم عدَلَ إلى الشِّقِّ الآخر، فأعرض عنه، فلما رأيتُ ما به قمتُ إليه وأخذتُ بيده، ثم قلت له: إنَّ أبا عبد الرحمن لم يعرِفك، فقال طاوس: بلى! إني به لعارف، فقال الأمير: إنه بي لعارف، ومعرفتُه بي فعلَتْ بي ما رأيت. ثم مَضَى وهو ساكتٌ لا يقولُ شيئًا؛ فلما دخلتُ المنزل قال لي أبي: يا لُكَع، بينما أنت تقولُ أريد أخرُج عليهم بالسيف، لم تستطِعْ أنْ تحبسَ عنهم لسانَك (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ١٦)، والمزي في تهذيب الكمال (١٣/ ٣٧٢).). =