وقال: لا يَكُونُ البطَّالُ من الحكماء أبدًا، ولا يرثُ الزناةُ من ملكوتِ السماء (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٣٠/ ٤).). وقال وهب في موعظته: اليوم يَعِظُ السعيد، ويستكثرُ من منافعِه اللبيبُ، يابنَ آدم، إنما جمعتُ من منافعِ هذا اليوم لدفعِ ضررِ الجهالة عنك، وإنما أوقدت فيه مصابيحُ الهدى لِتُنبَّه لحزبِك، فلم أر كاليوم ضلَّ مع نوره مُتحيِّرٌ داعٍ لمداواة سليم، يا بنَ آدم، إنه لا أقوى من خالقٍ ولا أضعف من مخلوق، ولا أقدر ممن طَلِبَتُه في يده، ولا أضعف ممن هو في يد طالبه، يا بن آدم، إنه قد ذهب منك مالا يرجعُ إليك، وأقام عندك ما سيذهب، فما الجزع مما لابدَّ منه، وما الطمع فيما لايرتجى، وما الحيلةُ في بقاء ما سيذهب. يابن آدم، أقصِر عن طلب ما لا تُدرك، وعن تناول ما لا تنالُه، وعن ابتغاء ما لا يوجد، واقطع الرجاءَ عنك، كما قعدت به عنك الأشياء، واعلم أنه رُب مطلوبٍ هو شَرٌّ لطالبه. يا بن آدم إنما الصبرُ عند المصيبة، واعظمُ من المصيبة سوءُ الخُلق منها. يا بنَ آدم إنما الصبرُ عند المصيبة، يا بن آدم، أيَّ أيام الدهر ترتجي؟ يومُ يجيءُ في عَتم، أو يوم تستأخر عاقبته عن أوان مجيئه، فانظر إلى الدهر تَجدهُ ثلاثة أيام: يومٌ مضى لا ترجوه، ويومٌ لا بدَّ منه، ويوم يجيءُ لا تأمَنُه، فأمْسِ شاهدٌ عليك مقبولٌ، وأمين مُؤدٍّ، وحكيم مؤدب، قد فجعك بنفسه، وخلَّف فيك حكمته، واليوم صديقٌ مودَّع، كان طويل الغَيْبَة عنك، وهو سريع الظَّعن، أتاك ولم تأتِه، وقد مضى قبلَهُ شاهدُ عَدلٍ، فإن كان ما فيه لكَ فاشفعه بمثِله، أوثقُ لك باجتماع شهادتهما عليك. يابنَ آدم إنما أهلُ الدنيا سَفْرٌ لا يحلُّون عقد رِحالهم إلا في غيرها، وإنما يتبلَّغون بالعواري، فما أحسنَه - يعني الشكرَ - للمنعم، والتسليم للمعاد!. يابنَ آدم إنما الشيءُ من مثِله، وقد مضَت قبلَنا أصولٌ نحن فروعُها، فما بقاءُ الفَرعِ بعد ذهابِ أصله، إنما يقرُّ الفرعُ بعد الأصل. يابنَ آدم، إنه لا أعظم رَزِيَّةً في عقْلِه مِمَّن ضيَّعَ اليقينَ وأخطأ العملَ، أيها الناس، إنما البقاءُ بعدَ الفناء، وقد خُلقنا ولم نكن، وسَنبلَى ثم نعود، ألا وإنما العواري اليوم والهناتُ غدًا، ألا وإنه قد تقارب مِنا سَلَبٌ فاحش، أو عطاءٌ جزيل، فأصلحوا ما تُقدِمون عليه بما تَظعنون عنه، أيها الناس، إنما أنتم في هذه الدنيا غَرَضٌ تَنتَضِلُ فيها المنايا (تنتضل: تختار وتتبارى. انظر لسان العرب (نضل).)، وإن ما أنتم فيه من دنياكم نَهبٌ للمصائب، لا تنالون فيها نعمة إلا بفراقِ الأخرى، ولا يستقبلُ منكم معمَّرٌ يومًا من عُمره إلا بهدم آخَرَ من أجَلِه، ولا يتخذُ له زيادة في ماله إلا بَنفَادِ ما قبلَهُ من رزقه، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر، نسألُ الله أن يُباركَ لنا ولكم فيما مضى من هذه العِظَة (أخرجه بطوله بألفاظ مقاربة أبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٠، ٣١).). وقال قُتيبة بن سعيد: حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن مروان، عن وهب بن منبِّه، [أنه كان يقول: الإيمان قائد، والعمل سائق، والنفس حَرُون، إن فترَ قائدُها صَدَّت، عن الطريق، ولم تستقم لسائقها، وإنْ فَتَر سائقُها حَزِنَت ولم تَتبَعْ قائدها، فإذا اجتمعا استقامت طوعًا أو كرهًا، ولا تستطيعُ الذين إلا بالطوع والكُره، وإن كان كلَّما كَره الإنسانُ شيئًا من دينه ترَكَه أوشك أن لا يبقى معه من دِينه شيء (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٣١)، وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (٢/ ٢١٥) بنحوه.). وقال وهب: إنَّ من حكمة الله ﷿ أنه خلق الخَلقَ مختلفًا خَلقُهُ ومقاديره، فمنه خَلقٌ يدومُ ما دامت الدنيا، لا تُنقِصه الأيام ولا تُهرِمُه وتُبليه ويموت، ومنه خلق لا يُطعم ولا يرزق، ومنه خَلقٌ يُطعم ويرزق، خلَقه الله وخلَق =