هذه الآثارُ رواها الطبرانيُّ عنه من طُرق. وروى داود بن عمرو، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، قال: قدم علينا وَهْب مكة، فطفِقَ لا يشربُ ولا يتوضأُ إلّا من زَمْزم، فقيل له: ما لَكَ في الماء العذب؟ فقال: ما أنا بالذي أشربُ وأتوضأُ إلّا من زمزمَ حتى أخرجَ منها؛ إنكم لا تدرونَ ما ماءُ زَمْزم، والذي نفسي بيده، إنها لفي كتاب الله: طَعَامُ طُعْم، وشفاء سُقْم، ولا يَعْمِدُ أحدٌ إليها يتضلَّع منها رِيًّا ابتغاءَ بركتِها إلا نزَعتْ منه داءً وأحدثَتْ له شفاء. وقال: النظرُ في زمزمَ عبادة. وقال: النظرُ فيها يحُطُّ الخطايا حطًّا (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٦٣، ٦٤).). وقال وهب: مُسخَ بُخْتَنَصَّرُ أسدًا فكان مَلِكَ السِّبَاع، ثم مُسخ نَسْرًا فكان مَلِكَ الطيور، ثم مُسخ ثورًا فكان مَلِكَ الدوابّ، وهو في كل ذلك يَعْقِلُ عَقْلَ الإنسان؛ وكان مُلكُه قائمًا يُدبَّر، ثم رَدَّ الله عليهِ رُوحَهُ إلى حالةِ الإنسان، فدعا إلى توحيدِ الله وقال: كلُّ إلَهٍ باطلٌ إلا إلهَ السماء. فقيل له: أماتَ مؤمنًا؟ فقال: وجدتُ أهلَ الكتابِ قدِ اختلفوا فيه، فقال بعضُهم: آمَنَ قبلَ أنْ يموتَ. وقال بعضهم: قَتَلَ الأنبياءَ وحرَّقَ الكتب، وحرَّقَ بيتَ المقدِس، فلم يُقْبَلْ منه التوبة (المصدر السابق (٤/ ٦٤).). هكذا رواه الطبراني عن محمد بن أحمد بن الفرج، عن عباس بن يزيد، عن عبد الرزاق، عن بكَّار بن عبد الله، قال: سمعتُ وَهْبَ بن مُنبِّه يقول .. فذكره .. وقال وَهب: كان رجلٌ بمصر، فسألهم ثلاثةَ أيام أن يُطعِموه فلم يُطعِموه، فمات في اليوم الرابع، فكفَّنوه ودفنوه، فأصبحوا فوجدوا الكفَنَ في مِحرابِهم مكتوبًا عليه: قتلتموه حَيًا وبرَرْتُموهُ ميتًا. قال يحيى: فأنا رأيتُ القريةَ التي ماتَ فيها ذلك الرجل وما بِها أحد إلا وله بيتُ ضِيافة، لا غني ولا فقير (المصدر السابق.). هكذا رواه يحيى بن عبد الباقي، عن علي بن الحسن عن عبد الله بن أخي وهب، قال: حدّثني عمي وَهْب بن منبِّه .. فذكره .. قال: وأهلُ القرية يعترفون بذلك؛ فمن ثمَّ اتَخذوا بيوتًا للضيفانِ والفقراء، خوفًا من ذلك. وقال عبد الرزاق: عن بكار، عن وَهْب، قال: إذا دخلَتِ الهديةُ من الباب خرجَ الحقُّ من الكُوَّة (المصدر السابق.). وقال إبراهيم بن الجنيد: حدّثنا إبراهيم بن سعيد، عن عبد المنعم بن إدريس، عن عبد الصمد، عن وَهب بن منبِّه، قال: مرَّ نبيٌّ من الأنبياء على عابدٍ في كهف جبل، فمال إليه فسلَّم عليه وقال له: يا عبد الله، منذُ كم أنت هاهنا؟ قال: منذُ ثلاثِمئة سنة. قال: من أينَ معيشتك؟ قال: من ورَقِ الشجر. قال: فمن أين شرابُك؟ قال: من ماءِ العيون. قال: فأين تكونُ في الشتاء؟ قال: تحت هذا الجبل. قال: فكيف صبرُك على العبادة؟ قال: وكيف لا أصبر؟ وإنما هو يومي إلى الليل، وأما أمسِ فقد مضى بما فيه، وأما غدٌ فلم يأتِ بعدُ. فعجب النبيُّ من قوله: إنما هو يومي إلى الليل (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٦٥).). وبهذا الإسناد أنَّ رجلًا من العُبَّاد قال لمعلمه: قطعتُ الهوَى، فلستُ أهوى من الدنيا شيئًا. فقال له معلمهُ: أتفرِّقُ بين النساءِ والدوابِّ إذا رأيتهُنَّ معًا؟ قال: نعم. قال: أتفرقُ بين الدنانير والدراهم والحصا؟ قال: نعم. قال: يا بُني، إنك لم تقطعِ الهوى عنك، ولكنَّك قد أوثقته، فاحذرِ انفلاتَه وانقلابَه (المصدر السابق.). =