للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفِضَّة، والنساء والصِّبْيانِ من الأتراك ومَنْ معَهم من الأسارى، من المسلماتِ وغيرِهم مما لا يُحَدُّ ولا يُوصَف لِكثْرَتِه، وعِظَمِ قِيمَتِهِ وحُسْنِه، غيرَ أنَّ خاقان لَمَّا أحَسنَ بالهلاك ضرَب امرأتَهُ بخِنجَرٍ فقتَلَها، فوصل المسلمون إلى المعسكر وهي في آخرِ رَمَق، تتحرَّك. ووجدوا قدورَهُم تغلي بأطعِماتِهم، وهرب خاقانُ بمَنْ معه، حتى دخل بعضَ المدن فتحصَّنَ بِها، فاتَّفَق أنه لعب بالنَّرد مع بعضِ الأمراءِ فَغَلبه الأمير، فتوَعَّدَه خاقانُ بقطعِ اليد، فَحَنِقَ عليه ذلك الأمير، ثم عَمِلَ على قتله فَقَتله، وتفرَّقَتِ الأتراكُ فِرَقًا يَعْدو بعضُهم على بعض، وينهَبُ بعضُهم بعضًا، وبعثَ أسَد إلى أخيه خالد يُعلِمه بما وقع من النصر والظَّفَرِ بخاقان، وبعث إليه بطبول خاقان، وكانتْ كِبارًا لها أصواتٌ كالرَّعْد وبشيءٍ كثيرٍ من حَوَاصله وأمتعتِه فَوَفدَ بها خالدٌ إلى أمير المؤمنين هشام، ففَرِح بذلك فرحًا شديدًا، وأطلقَ للرُّسُلِ أموالًا جَزِيلة كثيرة من بيتِ المال. وقد قال بعضُ الشعراء في أسَدٍ يَمْدَحُه على ذلك:

لو سرتَ في الأرضِ تَقِيسُ الأرضا … تبينُ منها طولَها والعَرْضَا

لم تلقَ خيرًا إمْرَة ونقضا … من الأميرِ أسدٍ وأمْضَى

أفضى إلينا الخيرَ حتى أفضَى … وجمَعَ الشَّمْلَ وكان ارْفَضَّا

ما فاتَهُ خاقانُ إِلَّا رَكْضَا … قد فَضَّ من جموعِهِ ما فَضَّا

يابنَ شُريحٍ قد لَقِيتَ حَمْضَا … حمْضًا به تَشفِي صُدَاع المَرْضَى

وفيها قتل خالدُ بن عبدِ الله القسري المغيرةَ بن سعيد وجماعةً من أصحَابِهِ الذين تابعوهُ على باطِله، وكان هذا الرجلُ ساحرًا فاجرًا شِيعِيًّا خَبِيثًا.

قال ابنُ جرير (١): حَدَّثَنَا ابنُ حُميد، حَدَّثَنَا جرير عن الأعمش قال: سمعتُ المغيرةَ بنَ سعيد يقول: لو أرادَ عليٌّ (٢) أنْ يُحيى عادًا وثمودَ وقُرونًا لأحياهم. قال الأعمش: وكان المغيرةُ هذا يَخرجُ إلى المَقْبُرَةِ فيتكلّم فيرَى مثلَ الجَرَاد على القبور أو نحو هذا من الكلام.

وذكر ابنُ جَرِيرِ له غيرَ ذلك من الأحوال (٣) التي تدلُّ على سِحْرِه وفُجورِه، ولما بلغ خالدًا أمرُه أمرَ بإحضاره، فجيء به في ستةِ نفر أو سبعةِ نفر، فأمر خالد فأبرزَ سريره إلى المسجد، وأمرَ بإحضار أطنانِ (٤) القَصَب والنِّفط فصُبَّ فوقها، وأمَر المغيرةَ أنْ يحتضنَ طنًّا منها فامتنع، فضُرب حتى احتَضَن منها واحدًا وصُبَّ فوقَ رأسِه النِّفط، ثم أُضرم بالنار، وكذلك فعل ببقيَّة أصحابه.

وفي هذه السنة خرج رجلٌ يُقال له بهلول بن بشر، ويُلَقَّب بكثارة، واتبعه جماعاتٌ من الخوارج دون


(١) يعني الطبري في تاريخه (٤/ ١٧٤).
(٢) سقطت كلمة "علي" من تاريخ الطبري، و (ق)، وهي مثبتة في (ب، ح).
(٣) في (ق) الأشياء، والمثبت من (ب، ح).
(٤) في (ق): "أطناب" والمثبت من (ب) وتاريخ الطبري (٤/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>