للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَعْدُ بن دِرْهَم (١): هو أول من قال بِخَلْقِ القرآن، وهو الذي يُنسَبُ إليه مروان الجَعْدِيّ، وهو مروانُ الحمار آخرُ خلفاءِ بني أمية. كان شيخُه الجعدَ بن دِرْهم، أصلُه من حَرَّان (٢)، ويقال: إنه من موالي بني مروان، سكن الجعدُ دمشق، وكان له بها دارٌ بالقُرب من القلانسيِّين إلى جانب الكنيسة، ذكره ابنُ عساكر. قلت: وهي مَحَلَّةٌ بالقرب من الخوَّاصِين اليوم، غربيها عند حمام القطَّانين الذي يقال له حمام قلينس.

قال ابنُ عساكر وغيرُه (٣): وقد أخذ الجَعْدُ بِدعَتَهُ عن أبان بن سمعان (٤)، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لَبِيد بن أعصم زوجِ ابنتِه، وأخذها لَبِيدُ بن أعصَم الساحر الذي سحرَ الرسولَ عن يَهوديٍّ باليمن، وأخذ عن الجَعْد الجَهْم بن صفوان الخزري وقيل الترمذي، وقد أقامَ بِبلْخ، وكان يُصلّي مع مُقاتِل بن سليمان في مسجدِه، ويتناظران، حتى نُفِيَ إلى تِرْمِذ، ثم قُتل الجَهْم بأصبهان، وقيل بِمَرْو، قتله نائبُها سَلْم بن أحْوزَ وجزاه عن المسلمين خيرًا، وأخذَ بِشْرٌ المريْسِي عن الجهم، وأخذ أحمد بن أبي دُوَاد عن بِشر. وأمَّا الجَعْدُ فإنه أقامَ بدمشق حتى أظهرَ القولَ بخَلقْ القرآن، فتطلَّبه بنو أمية، فهرب منهم، فسكن الكوفة، فلَقِيَهُ فيها الجَهْمُ بنُ صفوان، فتقلَّد هذا القول عنه. ثم إنَّ خالد بن عبد الله القَسْري قَتَل الجعدَ يومَ عيدِ الأضحى بالكوقة، وذلك أنَّ خالدًا خطَبَ الناسَ فقال في خُطْبَتِهِ تِلك: أيها الناس، ضَحُّوا يَقْبل اللّه ضحاياكم، فإنِّي مُضَحٍّ بالجَعْدِ بنِ دِرْهَم، إنَّه زَعَمَ أَنَّ الله لم يتَّخِذْ إبراهيمَ خليلًا، ولم يكلِّم موسى تكْلِيمًا، تعالى اللّه عمَّا يقولُ الجَعْدُ عُلُوًّا كَبيِرًا. ثم نزلَ فَذَبحَهُ في أصْلِ المِنْبَر بيدِه، أثابَهُ الله تعالى وتقبَّلَ منه، وذلك في أيام هشام بن عبد الملك، وقد كان هشامٌ صَلَبَهُ بدمشق حين أظهرَ ما أظهر، ثم إنَّه هربَ يعدَ ذلك، فكَتَبَ إلى نائبِهِ خالد بن عبد الله القَسْري أنْ يقتُلَه، فقتلَهُ كما ذكَرْنا.


(١) ترجمته في الفهرست لابن النديم ص (٤٧٢)، الضعفاء للعقيلي (١/ ٢٠٦)، مختصر تاريخ دمشق (٦/ ٥٠)، الكامل لابن الأثير (٤/ ٤٦٦)، سير أعلام النبلاء (٥/ ٤٣٣)، ميزان الاعتدال (٢/ ١٢٤)، لسان الميزان (٢/ ١٠٥)، المغني في الضعفاء ص (١٣١)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (٣/ ٣٨٢) لأبي القاسم اللالكائي.
(٢) في (ق): "خراسان"، وهو تصحيف، والمثبت من (ح)، ومختصر تاريخ دمشق (٦/ ٥٠) وتوحيد المقاصد في شرح قصيدة ابن القيم (١/ ٤٩)، ومنهاج السنة (٣/ ١٩٢) لابن تيمية.
(٣) انظر مختصر تاريخ دمشق (٦/ ٥١).
(٤) في (ح، ق): "بيان بن سمعان"، وما أثبتناه موافق لما في مختصر تاريخ دمشق (٦/ ٥١)، والكامل لابن الأثير (٦/ ٢٢١)، وتوحيد المقاصد في شرح قصيدة ابن القيم (١/ ٤٩)، وأقاويل الثقات لمرعي بن يوسف ص (٣٣٠)، والتحفة المدنية في العقيدة السلفية لحمد بن ناصر ص (١٦٦) وسيأتي ذكر الخبر مرة أخرى في ص ٢٣٤ من هذا المجلد، في ترجمة خالد بن عد الله القسري.

<<  <  ج: ص:  >  >>