للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرحمن، يقالُ لأحَدِنا تُحِبُّ أن تموت؟ فيقول: لا. فيقال له: لِمَ؟ فيقول: حتى أعمَل. فيُقال له: اعمَلْ. فيقول: سوف أعمل. فلا تُحِبُّ أنْ تموتَ ولا تُحبُّ أنْ تعمَل! وأحَبُ شيْءٍ إليه يُحِبُّ أنْ يؤخِّرَ عمَلَ اللّه، ولا يُحِبُّ أنْ يؤخِّرَ الله عنهُ عَرَضَ الدنيا!.

عبادَ الرحمن، إنَّ العبدَ ليعمَلُ الفريضةَ الواحدةَ من فرائضِ اللّه، وقد أضاعَ ما سِواها، فما يزالُ يُمَنِّيهِ الشيطانُ ويُزَيِّنُ له حتى ما يَرَى شيئًا دونَ الجنة مع إقامَتِهِ على مَعَاصي الله. عبادَ الرحمن، قبلَ أنْ تعمَلُوا أعمالَكمْ فانظروا ماذا تُريدون بها، فإنْ كانَتْ خالصة فامْضُوها، وإنْ كانت لغيرِ الله فلا تَشُقُّوا على أنفسكم، فإنَّ اللّه لا يقبلُ من العمل إلَّا ما كان لهُ خالصًا، فإنه قال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠].

وقال أيضًا: إنَّ الله ليس إلى عذابِكم بِسَرِيع، يقبَلُ المُقبِل ويَدْعو (١) المُدْبِر.

وقال أيضًا: إذًا رأيتَ الرجلَ مُتحرِّجًا لَجُوجًا مماريًا مُعجبًا برأيه فقد تَمَّتْ خسارَتُه.

وقال الأوزاعي: خرج الناسُ بدمشقَ يَسْتَسقون، فقام بهم بلالُ بنُ سعدٍ فقال: يا معشر مَنْ حَضَر، ألستُمْ مُقِرِّينَ بالإساءة؟ قالوا: نعم. فقال: اللَّهُمَّ إنَّكَ قلت: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١]، وقد أقرَرْنا بالإساءة فاعفُ عنَّا واغفِرْ لنا. قال: فسُقُوا يومَهمْ ذلك.

وقال أيضًا: سمعتُه يقول: لقد أدرَكْتُ أقوامًا يشتدُّونَ بين الأغراض، ويضحَكُ بعضُهم إلى بعض، فإذا جَنَّهُمُ الليلُ كانوا رُهْبانًا (٢).

وسمعتُهُ أيضًا يقول: لا تَنظُرْ إلى صِغَرِ الذنب، وانظُرْ إلى مَنْ عصَيْت.

وسمعتُه يقول: من بادأَكَ بالوُدِّ فقدِ استرقَّكَ بالشُّكْر.

وكان من دعائه: اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من زَيْغِ القُلوب، ومن تَبِعاتِ الذنوب، ومن مُرْدِياتِ الأعمال، ومُضِلَّاتِ الفِتَن (٣).


(١) في (ح): "ويدع"، والمثبت من (ب، ق).
(٢) أخرجه ابن المبارك في الزهد ص (٤٧)، وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (٥/ ٣٠٣) (٢٦٣٢٦)، وابن أبي عاصم في الزهد ص (٢١٠).
(٣) وهذه من الزيادة المقحمة وهي:
[وقال الأوزاعي عنه، أنه قال: عبادَ الرحمن، لو أنتم لم تَدَعوا إلى الله طاعةً إلَّا عَمِلْتُموها؛ ولا مَعْصِيَةً إلَّا اجْتَنَبْتُموها إلَّا أنكم تُحِبُّون الدنيا لَكفاكُم ذلك عقوبةً عندَ الله ﷿.
وقال: إنَّ الله يغفِرُ الذنوبَ لِمَنْ تابَ منها، ولكنْ لا يَمْحوها من الصَّحِيفةِ حتى يوقَفُ العبدُ عليها يومَ القيامة. ترجمة].

<<  <  ج: ص:  >  >>