للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْوَة بالقَدَر، حتى قال بلال يومًا في وَعظِه: رُبَّ مسرورٍ مَغْبُون، ورُبَّ مَغْبُونٍ (١) لا يَشْعُر، فوَيلٌ لِمَنْ له الوَيْلُ وهو لا يَشْعُر، يأكلُ ويشرَبُ ويَضْحَك وقد حَقَّ عليه في قضاءَ الله أنَّهُ من أهلِ النار، فياوَيْل لك جسدًا! فلْتبكِ وِلْتبكِ عليك البواكي لطولِ الأبَد.

وقد ساق ابنُ عساكر شيئًا حَسنًا من كلامه في مواعظهِ البليغة، فمنْ ذلك قولُه: واللّهِ لكفَى به ذنبًا أنَّ اللهَ يُزَهِّدُنا في الدنيا ونحنُ نرغَبُ فيها. زاهِدُكم راغب، وعالمكم جاهل، ومجتهدُكم مقصِّر.

وقال أيضًا: أخٌ لك كلَّما لَقِيَكَ ذكَّركَ بنصيبكَ من اللّه، وأخبركَ بعَيْبٍ فيك أحَبُّ إليك وخيرٌ لك مِنْ أخٍ كلَّما لَقِيَكَ وضعَ في كفِّكَ دينارًا.

وقال أيضًا: لا تكنْ وَلِيًّا للهِ في العلانية، وعدوَّهُ في السِّرّ، [ولا تكنْ عدُوَّ إبليسَ والنفسِ والشَّهَواتِ في العلانية، وصديقَهم في السِّرّ] (٢). ولا تَكُنْ ذا وجهَيْنِ وذا لسانين فتظهرَ للناس أنك تخشَى اللّه ليحمَدُوك، وقلبُكَ فاجر.

وقال أيضًا: أيّها الناس، إنَّكم لم تُخلقُوا للفَنَاء وإنَّما خُلقتُمْ للبقاء، ولكنَّكم تَنْتقِلُون من دارٍ إلى دار، كما نُقلتمْ من الأصلابِ إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبورِ إلى المَوقْف، ومن الموقف إلى الجنَّةِ أو النار.

وقال أيضًا: عبادَ الرحمن، إنكم تعملونَ في أيامٍ قصار لأيامٍ طِوَال، وفي دارِ زَوَالٍ إلى دارِ مُقَام، وفي دارِ حُزْنِ ونَصَب، لِدارِ نعيمٍ وخلُود، فمن لم يعمَلْ على يقين فلا يتعَنَّ، عبادَ الرحمن، لو قد غُفرَتْ خطاياكمُ الماضية لكان فيما تستقبلون لكمْ شُغُلًا، لو عَمِلتم بما تعلمون لكنتم عبادَ اللّه حَقًّا. عبادَ الرحمن، أَمَّا ما وكَّلَكُمْ بهِ فتضيِّعونَه، وأَمَّا ما تكَفَّلَ اللّه لكُمْ بهِ فتطلبونه! ما هكذا نعَتَ اللّهُ عبادَهُ المُوقِنِين، أذَوُو عَقْلٍ في الدنيا وبُلْهٌ في الآخرة، عُمْيٌ عَمَّا خُلقْتمْ له، بُصَراء في أمرِ الدُّنيا! فكما ترجونَ رحمةَ الله بما تؤدُّونَ من طاعتِه، فكذلك أشفِقُوا من عَذَابِه بما تنتهِكُونَ من معَاصِيه. عبادَ الرحمن، هل جاءكمِ مُخبِرٌ يُخبرُكم أنَّ شيئًا من أعمالِكُمْ قد تُقُبِّلَ منكم؛ أو شيئًا مِنْ خطاياكم قد غُفِرَ لكم؟ ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥]، واللهِ لو عَجَّلَ لكم الثوابَ في الدنيا لاستقلَلْتُمْ ما فرض عليكم، أترغبون في طاعةِ الله لتعجيلِ دار هَمّ، ولا ترغبون وتُنافِسونَ في جنَّةٍ أكُلُها دائمٌ وظِلُّها؟ وعَرْضُها عرضُ الأرض والسماوات. ﴿تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾ [الرعد: ٣٥].

وقال أيضًا: الذِّكرُ ذِكْران، ذكرُ اللّهِ باللِّسان حَسَنٌ جميل، وذكرُ اللّهِ عندما أحَلَّ وحرَّم أفضل. عبادَ


(١) في (ق): "مغرور"، في الموضعين، والمثبت من (ب، ح).
(٢) ما بين معقوفين ليس في (ب، ح) وهو من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>