للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاصيًا، شاعرًا ماجنًا، متعاطيًا للمَعَاصي لا يتحاشى بها من أحد ولا يَسْتحي من أحد قبلَ أنْ يَلي الخلافة، وبعدَ أنْ وَلي، وقد رُوي أنَّ أخاهُ سليمان كان في جملةِ منْ سَعَى في قتلِه؛ قال: أشهدُ بعدالةٍ أنه كان شَروبًا للخمر، ماجنًا، فاسقًا، ولقد أرادني على نفسي الفاسق.

وحكى المعافَى بنُ زكريا عن ابنِ دُريد، عن أبي حاتم، عن العُتْبِيّ، أنَّ الوليدَ بن يزيد نظَرَ إلى نصرانيَّةٍ من حِسَان نساءَ النصارى، اسمها سفرَى، فأحبَّها، فبعث يُراودُها عن نفسها، فأبتْ عليه، فألحَّ عليها وعَشِقها، فلم تطاوِعْه، فاتفق اجتماعُ النصارى في بعضِ كنائسهم لعيدٍ لهم، فذهبَ الوليدُ إلى بستانٍ هناك، فتنكَّرَ وأظهرَ أنه مُصَاب، فخرج النساءُ من الكنيسةِ إلى البستان، فرأينَهُ، فأحدقنَ به، فجعل يكلِّمُ سفرَى ويُحادِثُها (١) وتُضاحِكُهُ ولا تَعرِفُه، حتى اشتفَى من النظرِ إليها، فلما انصرفَتْ قيل لها: ويحكِ! أتدرينَ منْ هذا الرجل؟ فقالت: لا. فقيل لها: هو الوليد. فلمَّا تحقَّقتْ ذلك حنَّتْ عليه بعد ذلك وكانتْ عليه أحرصَ منه عليها قبلَ أن تحنَّ عليه، فقال الوليد في ذلك أبياتًا:

أَضْحِكْ فؤادَك يا وليدُ عَمِيدا … صبًّا قديمًا للحسانِ صَيُودا

في حُبِّ واضحةِ العوَارِضِ طَفْلَةٍ … برَزَتْ لنا نحوَ الكنيسةِ عِيدا

ما زلتُ أرمُقُها بعينَيْ وامِقٍ … حتى بَصُرْتُ بها تُقبِّلُ عُودا

عودَ الصليبِ فَوَيْحَ نفسي منْ رَأى … منكمْ صَليبًا مثلَهُ مَعْبُودا

فسألتُ رَبِّي أنْ أكونَ مكانَهُ … وأكونَ في لَهَبِ الجَحيمِ وَقُودا

وقال فيها أيضًا لما ظهرَ أمرُهُ وَعَلِمَ بحالِهِ الناس، وقيل إنَّ هذا وقعَ قبلَ أنْ يَليَ الخِلافة:

ألا حبذا سَفْرَى وإنْ قيلَ إنَّني … كَلِفْتُ بنَصْرَانيَّةٍ تشربُ الخَمْرَا

يَهُونُ علينا أنْ نظلَّ نَهارَنا … إلى الليلِ لا ظُهْرًا نُصلِّي ولا عَصْرَا

قال القاضي أبو الفرَج المعافَى بن زكريَّا الجَرِيري المعروف بابن طَرَارَة (٢) النَّهْرَواني ثم البغدادي، بعد إيرادِهِ هذه الأشياءَ للوليد في نحوِ هذا من الخَلاعةِ والمجون، وسَخَافةِ الدِّين، وما يطولُ ذكرُه. وقد ناقضْناهُ في أشياء منْ منظُومِ شعرِهِ المتضمِّن رَكِيكَ ضلالِهِ وكُفرِه.

وروى ابنُ عساكرَ بسندِه، أنَّ الوليد سمع بخمَّارٍ صَلِف (٣) بالحِيرة، فقصَدهُ حتى شرب منه ثلاثةَ


(١) في (ح): "ويمازحها".
(٢) في الأصول: "طرار" تصحيف، ومنهم من يثبت ألفًا بدلَ الهاء هكذا: "طرارا"، والمثبت من تكملة الإكمال لمحمد بن عبد الغني البغدادي (٤/ ١٧)، والمؤتلف والمختلف (١/ ٤٦).
(٣) الصَّلَفُ: مُجاوزةُ القَدْر في الظَّرْف والبراعة، والادِّعاءُ فوق ذلك تكبُّرًا، صَلِفَ صَلَفًا، فهو صَلِف. لسان العرب (صلف).

<<  <  ج: ص:  >  >>