للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرسل الطوفان، وهو الماء، ففاض على وجه الأرض ثمّ ركد. لا يقدرون على أن يخرجوا (١) ولا أن يعملوا شيئًا حتى جهدوا جوعًا، فلما بلغهم ذلك ﴿قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] فدعا مُوْسَى رَبَّه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء، فأرسل الله عليهم الجراد، فأكل الشجر -فيما بلغني- حتى أن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربَّه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القُمَّل، فذُكر لي أن موسى أُمر أن يَمْشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم، فضربه بها، فانثال عليهم قملًا حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النومَ والقرار، فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا له، فدعا ربّه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل (٢) الله عليهم الضفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلم يكشف أحدٌ ثوبًا ولا طعامًا إلا وجد فيه الضفادع قد غلب (٣) عليه، فلمَّا جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربّه فكشف عنهم، فلم يفوا بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدمَ، فصارت مياه آل فرعون دمًا؛ لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون (٤) من إناءٍ إلا عاد دمًا عَبِيْطًا. وقال زيد بن أسْلم: المراد بالدم: الرعاف، رواه ابن أبي حاتم.

قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٤ - ١٣٦].

يخبر عن كفرهم، وعتوِّهم، واستمرارهم على الضلال والجهل، والاستكبار عن اتباع آيات الله وتصديق رسوله، مع ما أُيّد به من الآيات العظيمة الباهرة، والحجج البليغة القاهرة، التي أراهم الله إياها عَيانًا، وجعلها عليهم دليلًا وبرهانًا. وكلَّما شاهدوا آية وعاينوها وجهدهم وأضنكهم حَلَفوا وعاهدوا موسى لئن كشف عنهم هذه ليؤمنُنَّ به وليرسلُنَّ معه مَن هو من حِزبه، فكلَّما رُفعت عنهم تلك الآية عادوا إلى شرّ مما كانوا عليه، وأعرضوا عما جاءهم به من الحق ولم يلتفتوا إليه، فيرسل الله عليهم آية أخرى هي أشد مما كانت قبلها وأقوى، فيقولون فيكذبون، ويعدون ولا يفون: ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ فيكشف عنهم ذلك العذاب الوبيل. ثمّ


(١) في ب: يحرثوا.
(٢) في ط: فكشف عنهم فلما لم … أرسل.
(٣) في ب: علت.
(٤) كذا في ب. وفي أ: ولا نهر يعرفون … ، وفي ط: ولا نهر يفترقون.