للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَدِمَ الخليفةُ إلى دمشق، وأمر بثابتٍ وأصحابِهِ بعدَما كانوا تقطَّعوا أن يُصَلَّبوا على أبوابِ البلد، ولم يستبقِ منهم أحدًا إلا واحدًا، وهو عُمَرُ بن الحارث الكلبي، وكان عندَهُ فيما زَعَمَ عِلْمٌ بودائعَ كان ثابتُ بنُ نُعيم أودَعَها عندَ أقوام، واستوسَقَ أمرُ الشامٍ لِمَروان ما عدا تَدْمُر، فسار من دمشقَ فنَزَل القَسْطَلَ من أرضِ حِمْص، وبَلَغَهُ أَنَّ أهلَ تَدْمُرَ قد غوَّروا ما بينهُ وبينهم من المياه، فاشتدَّ غَضَبُهُ عليهم، ومعه جحافِلُ من الجيوش، فتكلَّم الأبرشُ بنُ الوليد. وكانوا قومَه، فسأل منه أنْ يُرْسِلَ إليهم أولًا ليُعْذِرَ إليهم، فبعث عمرَو بن الوليد أخا الأبرش، فلمَّا قدِمَ عليهم لم يَلْتفِتوا إليه ولا سمعوا له قولًا فرجع، فهَمَّ الخليفة أنْ يبعثَ الجنود، فسأله الأبرشُ أنْ يذهبَ إليهم بنفسِه، فأرسلَهُ، فلما قَدِمَ عليهم الأبرشُ كلَّمهم واستمالَهم إلى السمعِ والطاعة، فأجابَهُ أكثَرُهم وامتَنَعَ بعضُهم، فكتبَ إلى الخليفةِ يُعلِمُهُ بما وقع، فأمرَهُ الخليفة أن يَهْدِمَ بعضَ سُورِها، وأَنْ يُقَبِلَ بمَنْ أطاعَهُ منهم إليه، ففعل، فلمَّا حضروا عندَه سارَ بِمَنْ معَهُ من الجنود نحوَ الرُّصَافةِ على طريق البَرِّيَّة، ومعه من الرؤوسِ إبراهيم بنُ الوليد المَخْلوع، وسليمان بن هشام، وجماعةٌ من ولدِ الوليد ويزيد وسليمان، فأقام بالرُّصَافةِ أيامًا، ثم شخَصَ إلى الرَّقَّة، فاستأذنه سليمانُ بن هشام أن يقيمَ هناكَ أيَّامًا ليستريحَ وَيحْمِي ظهرَه. فأذِنَ له، فانحدرَ مروانُ فنَزلَ عندَ واسطَ على شَطِّ الفرات، فأقام ثلاثًا، ثم مضى إلى قَرْقِيسِيَا وابن هُبَيرةَ بها ليبعثَهُ إلى العراق لِمُحاربة الضحَّاك بن قيس الشيباني الخارجي الحَرُوري، واشتغل مروانُ بِهذا الأمر، وأقبلَ عشرةُ آلاف فارسٍ ممَّنْ كان مروانُ قد بعثَهم في بعض السرايا، فاجتازوا بالرُّصَافة وفيها سليمانُ بن هشام بن عبد الملك الذي كان أستأذن الخليفةَ في الْمُقَامِ هناك للرَّاحة، فدعَوْهُ إلى البيعةِ له وخَلْعِ مَرْوانَ بن محمد ومحارَبَته، فاستزَلَّهُ الشيطان، فأجابهم إلى ذلك، وخلعَ مروانَ، وسارَ بالجيوشِ إلى قِنَّسْرِين، وكاتَبَ أهلَ الشام، فانتهوا (١) إليه من كلِّ وَجْه، وكتب سليمانُ إلى أَبنِ هُبيرةَ الذي جهَّزَهُ مروانُ لقتالِ الضحَّاك بن قيس الخارجي، يأْمرُهُ بالمسيرِ إليه، فالتفَّ إليه نَحْوٌ من سبعين ألفًا، وبعث مروانُ إليهم عيسى بنَ مسلم، في نحوٍ من سبعين ألفًا، فالتقَوْا بأرضِ قِنَّسْرين، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وجاء مروانُ والناسُ في حَرْب، فقاتلهم أشدَّ قتالٍ فهزمهم، وقَتَل يومئذٍ إبراهيمَ بنَ سليمان بن هشام، وكانَ أكبرَ ولدِه، وقتل منهم نيفًا وثلاثين ألفًا، وذهب سليمانُ مغلوبًا، فأتى حِمص، فالتفَّ عليه مَنِ انْهَزم من الجيش، فعسكر بهم فيها، وبَنَى ما كان مروانُ هدَمَ من سُورِها، فجاءهم مروان، فحاصرهم بها، ونصَبَ عليهم نيِّفًا وثمانين مَنجَنِيقًا، فمكث كذلك ثمانيةَ أشهرٍ يَرْمِيهم ليلًا نهارًا، ويخرجون إليه كل يوم، ويقاتلون ثم يَرْجِعون. هذا وقد ذهب سليمانُ وطائفة من الجيشِ معَهُ إلى تدمرَ وقد اعترضوا جيشَ مروانَ في الطريق، وهَمُّوا بالفَتْكِ به، وأن ينتهبوه، فلم يُمكْنِهم ذلك، وتَهيَّأَ مروانُ فقاتلهم، فقتلوا من جيشهِ قريبًا من ستةِ آلاف،


(١) في (ق): "فانفصوا"، والمثبت من (ب، ح).

<<  <  ج: ص:  >  >>