للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم تسع مئة، وانصرفوا إلى تدمر، ولَزِمَ مروانُ محاصرةَ حِمص كمال عشرةِ أشهر، فلمَّا تتابعَ عليهمُ البلاءُ ولَزِمَهُمُ الذُّلُّ سألوه أنْ يُؤمِّنَهم، فأبَى إلَّا أنْ يَنْزِلوا على حُكْمِه، ثم سألوه الأمانَ على أنْ يُمكِّنُوهُ من سعيدِ بنِ هشام (١) وابنَيْهِ مروانَ وعثمان، ومن السَّكْسَكِيِّ الذي كان معه على جيشه، ومن حُبْشِي - كان يفتري عليه ويشتمه - فأجابَهم إلى ذلك، فأمَّنَهم وقتلَ أولئك، ثم سار إلى الضحَّاك.

وكان عبدُ الله بن عمر بن عبد العزيز نائب العراق قد صالح الضحَّاكَ الخارجي على ما بيدِهِ من الكوفِةِ وأعمالِها، وجاءتْ (٢) خيول مروانَ قاصدةً إلى الكوفة، فتلقَّاهُمْ نائبُها من جهة الضحَّاك مِلْحَانُ الشيباني، فقاتَلَهم، فقُتِلَ مِلْحان، واستنابَ الضحَّاكُ عليه المثنَى بنَ عمران من بني عائدة، وسار الضحَّاكُ في ذي القعدة إلى المَوْصِل، وسار ابنُ هُبيرة إلى الكوفة، فانتزَعَها من أيدي الخوارج، وأرسل الضحَّاكُ جيشًا إلى الكوفة فلم يجدْ شيئًا.

وفي هذه السنة خرج الضحَّاكُ بن قيس الشيباني، وكان سببَ خروجه أنَّ رجلًا يُقالُ له سعيدُ بن بَهْدَل - وكان خارجيًا - اغتنمَ غفلةَ الناس، واشتغالَهم بمقتلِ الوليد بن يزيد، فثارَ في جماعةٍ من الخوارج بالعراق، فالتفَّ عليه أربعةُ آلاف - ولم تجتمِعْ قبلَها لخارجيّ - فقصَدَتْهم الجيوش، فاقتتلوا معهم، فتارةً يَكْسِرون، وتارةً يُكْسَرون، ثم مات سعيد بن بهدل في طاعونٍ أصابه، واستخلف على الخوارج من بعدِهِ الضحَّاكَ بنَ قيس هذا، فالتفَّ أصحابُهُ عليه، والتقى هو وجيشٌ كثير، فغلبتِ الخوارجُ وقَتَلوا خلقًا كثيرًا، منهم عاصمُ بن عمر بن عبد العزيز، أخو أميرِ العراق عبدِ الله بن عمر بن عبد العزيز، فرثاه بأشعار، ثم قصَدَ الضحَّاكُ بطائفةٍ من أصحابِهِ مروانَ، فاجتازَ الكوفة، فنهضَ إليهِ أهلُها فكسَرَهم، ودخل الكوفة فاستحوذَ عليها، واستنابَ بِها رجلًا اسْمُهُ حسَّان، ثم استنابَ مِلْحَان الشيبانيَّ في شعبانَ من هذه السنة، وسار في طلب عبدِ الله بن عمر بن عبد العزيز نائبِ العراق، فالتقَوْا، فجرَتْ بينَهم حروبٌ كثيرةٌ يطولُ ذِكْرُها وتَفْصِيلُها.

وفي هذه السنة اجتمعَتْ جماعةٌ من الدُّعَاةِ إلى بني العباس عندَ إبراهيمَ بنِ محمد الإمام، ومعهم أبو مُسلم الخُرَاساني، فدفعوا إليهِ نفَقَاتٍ كثيرةَ، وأعطَوْهُ خُمْسَ أموالِهم، ولم ينتَظِمْ لهمْ أمرٌ في هذه السنة لكثرَة الشُّرورِ المنتشرة، والفِتَنِ الواقعة بين الناس.

وفي هذه السنة خرج بالكوفة معاويةُ بن عبدِ الله بن جعفر بن أبي طالب، فدعا إلى نفسِه وخرجَ إلى محاربة أميرِ العراق وعبدِ الله بن عمر بن عبد العزيز، فجَرتْ بينهما حروبٌ يطولُ ذكرُها، ثم أجلاهُ عنها، فلَحِقَ بالجِبال، فتغلب عليها.


(١) جاء في (ق) من هذا الموضع علَّق عليها الناسخ أنها زيادة من النسخة المصرية، قلتُ: هذه الزيادة المشار إليها بالحاصرتين والحاشية موجودة في نسختي (ب، ح).
(٢) في (ح): "وكانت".

<<  <  ج: ص:  >  >>