السيرةَ في أهلِ المدينة، فمالوا إليه حتى سمعوهُ يقول: بَرِحَ الخَفَاء، أين عن بابِك نذهب؟ ثم قال: مَنْ زَنَا فهو كافر، ومَنْ سَرَقَ فهو كافر. فعند ذلك أبغضوهُ ورجَعُوا عن محبَّتِه، وأقام بالمدينةِ حتى بعث مروانُ الحمار عبدَ الملك بن محمد بن عَطِيَّة، أحَدَ بني سعدٍ في خيلِ أهلِ الشام أربعة آلاف، قدِ انتخَبَها مروانُ من جيشِه، وأعْطَى كل رجلٍ منهم مئةَ دينار، وفرسًا عربيَّةً، وبَغْلًا لِثَقَلِه، وأمرَهُ أنْ يُقاتِلَهُ ولا يَرْجعَ عنه، ولو لم يَلْحَقْهُ إلَّا باليمن فلْيَتْبَعْهُ إليها، ولْيُقاتِلْ نائبَ صنعاء عبدَ الله بن يحيى، فسارَ ابنُ عطيَّة حتى بلَغَ وادي القُرَى، فتلقَّاهُ أبو حمزةَ الخارجيّ قاصدًا قتالَ مروانَ بالشام، فاقتتلوا هنالكَ إلى الليل، فقال له: وَيْحَك يا ابنَ عطية، إنَّ الله قد جعلَ الليلَ سكَنًا، فأخِّرْ إلى غد. فأبى عليهِ أنْ يُقلعَ عن قتاله، فما زال يُقاتلهم حتى كسرَهم فولَّوْا، ورجع فَلُّهم إلى المدينة، فنَهَضَ إليهم أهلُ المدينة، فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، ودخل ابنُ عطيةَ المدينة وقد انهزَمَ جيش أبي حمزةَ عنها، فيقال إنه أقامَ بِها شهرًا ثم استخلف عليها، ثم استخلف على مكَّة وسار إلى اليمن، فخرج إليه عبدُ الله بن يحيى نائبُ صنعاء فاقتتلا، فقَتَله ابنُ عَطِيَّةَ وبعث برأسِهِ إلى مروان، وجاء كتابُ مروانَ إليه يأمرُهُ بإقامةِ الحجِّ للناس في هذِه السنة، ويستعجلُه في المسيرِ إلى مكة، فخرجَ من صنعاءَ في اثني عشر راكبًا، وتركَ جيشَه بصنعاء ومعه خُرْج (١) فيه أربعون ألفَ دينار، فلما كان ببعضِ الطريق نزلَ مَنْزِلًا إذْ أقبل إليه أميرانِ يُقال لهما ابنا جُمانة، من ساداتِ تلك الناحية، فقالوا: وَيْحَكم! أنتم لصوص. فقال: أنا ابنُ عَطِيَّةَ وهذا كتابُ أميرِ المؤمنينَ إليَّ بإمْرَةِ الحَجّ، فنحن نُعَجِّلُ السيرَ لِنُدرِكَ المَوْسِم، فقالوا: هذا باطل، ثم حَمَلوا عليهم فقتلوا ابن عطيةَ وأصحابهُ ولم يُفلِتْ منهم إلَّا رجلٌ واحد، وأخذوا ما معَهم من المال.
قال أبو معشر: وحجَّ بالناس في هذه السنة محمدُ بن عبد الملك بن مروان، وقد جُعلت إليه إمرةُ المدينةِ ومكةَ والطائفِ، ونائبُ العراق ابنُ هُبيرة، وإمرةُ خُراسان إلى نَصْرِ بن سيار، غيرَ أن أبا مسلمٍ قدِ استحوَذَ على مُدُن وقُرىً كثيرةٍ من خُراسان وكُورًا ورَسَاتِيق، وقد أرسل نصرٌ إلى ابنِ هُبيرةَ يستَمِدُّهُ ويستنجِدُهُ، ويطلبُ أن يُمِدَّهُ من عند بعشرةِ آلافٍ قبلَ أنْ لايكفيَهُ مئةُ ألف، وكتبَ أيضًا إلى مروانَ يستَمِدُّه، فكتب مروانُ إلى ابنِ هُبيرةَ يُمِدُّه بما أراد.