للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث عشر - من ذي الحِجَّة سنةَ سِتٍّ وثلاثين ومئة، وكان عمرهُ ثلاثًا - وقيل: ثنتين، وقيل: إحدى - وثلاثين سنة، وقيل ثمان وعشرين سنة.

قال غير واحد: وكانتْ خلافتهُ أربعَ سنين وتسعةَ أشهر، وكان أبيضَ جميلًا طويلًا أقْنَى الأنف، جَعْدَ الشعر. حسن اللَّحْيَة، حسنَ الوَجْه، فصيحَ الكلام، حسنَ الرَّأي، جيدَ البَدِيهة، دخل عليه في أول ولايته عبدُ اللَّه بن حسن بن حسن بن عليّ ومعه مُصحف، وعند السفَّاح وجوهُ بني هاشم من أهل بيتِه وغيرِهم، فقال له: يا أمير المؤمنين، أعطِنا حقَّنا الذي جعلَهُ اللَّه لنا في هذا المصحف. قال: فأشفَقَ عليه الحاضرونَ أن يَعْجَلَ السفَّاحُ عليه بشيء، أو يَعْيَا بِجوابِه فيبقَى ذلك سُبَّة عليه وعليهم، فأقبل السفاح عليه غيرَ مُغْضبٍ ولا مُنْزَعِج فقال: إنَّ جَدَّكَ عليًّا كان خيرًا مِنِّي، وأعدَل، وقد وَلِيَ هذا الأمر، فأعطَى جدَّيك الحسنَ والحُسين - وكانا خيرًا منك - شيئًا قد أعطيتكهُ وزدْتُكَ عليه، فما كان هذا جزائي منك. قال: فما ردَّ عليه عبدُ اللَّه بن حسن جوابًا، وتعجَّبَ الناسُ من سُرعةِ جوابِه، وجِدَّتِه وجَوْدَتِه على البديهة.

وقد ورد في حديثٍ ذكره فقال الإمامُ أحمد في مسند (١): حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا جرير عن الأعمش، عن عطيَّة العَوْفي، عن أبي سعيد الخُدْري، قال: قال رسولُ اللَّه : "يخرجُ عند انقطاع من الزمان وظهورٍ من الفِتَن رجلٌ يُقالُ له السفَّاح، يكونُ إعطاؤه المال حَثْيًا" (٢).

وكان رواه زائدةُ وأبو معاوية عن الأعمش به، وهذا الحديث في إسناده عطيةُ العَوْفي وقد تكلَّموا فيه، وفي أنَّ المراد بهذا الحديث هذا السفَّاح نَظَرٌ، واللّه أعلم. وقد ذكَرْنا فيما تقدَّم عند زوالِ دولةِ بني أميةَ أخبارًا وآثارًا في مثلِ هذا المعنى (٣).

وقال الزُّبَير بن بَكَّار: حدثني محمد بن سلمة بن محمد بن هشام، أخبرني محمد بن عبد الرحمن المخزومي، حدثني داود بن عيسى عن أبيه، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس - وهو السفَّاح - قال: دخلتُ على عمرَ بن عبد العزيز وعنده رجلٌ من النصارَى، فقال له عمر: من تجدونَ الخليفةَ بعدَ سليمان؟ قال له النصراني: أنت. فأقبل عمر بن عبد العزيز فقال له: زِدْني من بيانِك. فقال: ثم آخر، إلى أنْ ذكر خلافةَ بني أمية إلى آخرِها، قال محمد بن علي: فلما كان بعد ذلك جعلتُ ذلك النصراني في بالي، فرأيتُه يومًا، فأمرتُ غلامي أن يحبِسَهُ علي، وذهبتُ إلى منزلي، فسألته عَمَّا يكونُ


(١) رواه أحمد في مسنده (٣/ ٨٠) وإسناده ضعيف.
(٢) وأخرجه نعيم بن حماد في الفتن (١/ ٣٦٢) (١٠٥٦)؛ وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (٥/ ٩٥٧) (٥٠٩) وعبد الكريم القزويني في تاريخ قزوين (٢/ ٢٢٧)، وإسناده ضعيف.
(٣) انظر ص (٢٧١) من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>