للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في خلفاءِ بني أمية، فذكرهم واحدًا واحدًا، وتجاوز عن مروانَ بنِ محمد، قلت: ثم مَنْ؟ قال: ابنُ الحارثيَّة، وهو ابنُك. قال: وكان ابني ابنُ الحارثية إذا ذاك حَمْلًا. قال: ووفد أهلُ المدينة على السفَّاح، فبادروا إلى تقبيلِ يدهِ غيرَ عمرانَ بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن مطيع العَدوِي، فإنه لم يُقبِّل يده، إنما حيَّاهُ بالخلافةِ فقط وقال: واللّهِ يا أميرَ المؤمنين، لو كان تقبيلُها يَزِيدُكَ رفعةً ويزيدُني وَسيلةً إليك ما سَبَقَني إليها أحدٌ من هؤلاء، وإنِّي لَغَنِيٌّ عمَّا لا أجرَ فيه، ورُبَّما قادَنَا عمَلُهُ إلى الوِزْر. ثم جلس. قال: فواللَّه ما نَقَصَهُ ذلك عندَهُ حظًّا من حط أصحابِه بل أحبَّهُ وزادَه.

وذكر القاضي الْمُعافَى بن زكريَّا أنَّ السَّفَّاح بعث رجلًا يُنادي في عَسْكَرِ مروانَ بهذَيْنِ البيتَيْنِ ليلًا ثم رجع:

يا آلَ مروانَ إنَّ اللَّه مُهْلِكُكُمْ ...... ومُبْدِلٌ أمنَكُمُ خوفًا وتَشْريدا

لا عَمَّرَ اللَّه من أنسألِكُم أحدًا ...... وبَثَّكمْ في بلادِ الخَوْفِ تَطْرِيدا (١)

وروى الخطيب البغدادي (٢) أنَّ السفَّاح نظرَ يومًا في المرآة وكان من أجملِ الناسِ وجهًا - فقال: اللهمَّ لا أقولُ كما قال سُليمانُ بن عبدِ الملك: أنا الخليفةُ الشابّ، ولكن أقول: اللهمَّ عَمِّرْني طويلًا في طاعتك، مُمَتَّعًا بالعافية، فما استتَمَّ كلامهُ حتَّى سمع غلامًا يقولُ لآخر: الأجَلُ بيني وبينك شهرانِ وخمسةُ أيام، فتطَيَّرَ من كلامِهِ وقال: حسبي اللَّه لا قوةَ إِلَّا باللّه، عليه توكَّلْتُ وبه أستعين. فمات بعدَ شهرَيْن وخمسةِ أيام.

وذكر محمد بن عبد اللَّه بن مالك الخُزَاعي، أنَّ الرَّشيد أمرَ ابنَهُ أنْ يسمعَ من إسحاق بن عيسى بن على ما يرويه عن أبيه في قصةِ السفَّاح، فأخبره عن أبيه عيسى، أنه دخل على السفَّاح يومَ عرَفَةَ بُكْرَةً فوجدَهُ صائمًا، فأمرَهُ أنْ يحادِثَهُ في يومِهِ هذا، ثم يختِمُ ذلك بفِطْرِه عندَه، قال: فحادَثْتُه حتَّى أخذَهُ النَّوم، فقمتُ عنهُ وقلت: أقِيلُ في مَنْزِلي، ثم أجيءُ بعدَ ذلك، فذهبتُ فنمتُ قليلًا ثم قمتُ فأقبلتُ إلى دارِه، فإذا على بابهِ بَشِيرٌ يُبَشِّرُ بفتحِ السِّند وبيعتِهمْ للخليفة، وتسليم الأمور إلى نُوَّابِه، قال: فحَمِدتُ اللَّه الذي وفَّقني في الدخولِ عليهِ بِهذه البِشارة، فدخلتُ الدَّار، فإذا بشير آخر معه بشارةٌ بفتحِ إفْريقيَة، فحمِدت اللَّه، فدخلت عليه فبشَّرْتُهُ بذلك وهو يُسَرِّحُ لِحيتَهُ بعدَ الوضوء، فسقط المشطُ من يدِه ثم قال: سبحان اللَّه! كلُّ شيءٍ بائدٌ سواه، نُعِيَتْ واللّهِ إليَّ نفسي، حدثني إبراهيمُ الإمام عن أبي هاشم، عن عبد اللَّه بن محمد بن عليِّ بن أبي طالب، عن علي بن أبي طالب، عن رسول اللَّه أنه قال: "يَقْدَمُ عليَّ في مَدينتي


(١) ذكر البيتين ابن الأثير في الكامل في التاريخ (٥/ ٩٩)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (٧٩/ ٦) وعزاهما للسفاخ.
(٢) في تاريخ بغداد (١٠/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>