للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صحَّ عن ابن عباس أنه قال: منَّا السفَّاح والمنصور. وفي رواية: حتى نسلمَها إلى عيسى ابن مريم. وقد رُوي مرفوعًا ولا يَصِحّ، ولا وَقْفُهُ أيضًا. وذكر الخطيبُ أنَّ أُمَّهُ سلامهَ قالتْ: رأيتُ حين حملتُ به كأنه خرجَ مني أسَد، فزَأرَ واقفًا على يدَيْه، فما بقي أسدٌ حتى جاء فسجَدَ له. وقد رأى المنصورُ في صغره منامًا غريبًا، كان يقول: ينبغي أنْ يُكتَبَ في ألواحِ الذهب، ويُعلَّق في أعناقِ الصبيان، فقال: رأيتُ كأنِّي في المسجدِ الحرام، وإذا رسول اللَّه في الكعبة والناسُ مجتمعون حولَها، فخرج من عند منادٍ أين عبدُ اللَّه؟ فقام أخي السفَّاحُ يتخطَّى الرجالَ حتى جاء بابَ الكعبة، فأخذ بيده، فأدخلَهُ إيَّاها، فما لبِثَ أنْ خرجَ ومعه لواء أسود، ثم نودي أين عبد اللَّه؟ فقمت أنا وعمي عبد اللَّه بن علي نستبق، فسبقته إلى باب الكعبةِ فدخلتُها، فإذا رسولُ اللَّه وأبو بكر وعمر وبلال، فعقَدَ لي لواءً وأوْصَاني بأُمَّتِه وعَمَّمَني عِمَامة كُورُها ثلاثةٌ وعشرون كُورًا، وقال: "خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة" (١).

وقد اتَّفقَ سجنُ المنصور في أيام بني أمية، فاجتمع به نوبَخْتُ المنجِّم، وتوسَّمَ فيه الرِّيَاسة فقال له: مِمَّنْ تكون؟ فقال: من بني العباس. فلمَّا عرف منه نسَبَه وكنيتَه قال: أنتَ الخليفةُ الذي تلي الأرض. فقال له: وَيْحَك! ماذا تقول؟ فقال: هو ما أقولُ لك، فضَعْ لي خطَّك في هذه الرُّقْعةِ أنْ تُعطيَني شيئًا إذا وَليت. فكتب له، فلمّا ولي المنصور أعطاه، وأسلم نوبختُ على يديه، وكان قبلَ ذلك مَجُوسيًّا، ثم كان من أخصِّ أصحابِ المنصور. وقد حجَّ المنصورُ بالناس سنةَ أربعين ومئة، وأحرَمَ من الحِيرَة. وفي سنةِ أربعٍ وأربعين، وفي سنة سبعٍ وأربعين، وفي سنةِ ثنتَيْنِ وخمسين، ثم في هذه السنةِ التي ماتَ فيها. وبَنَى بغدادَ والرُّصَافة، والرَّافِقَة، وقصرَهُ الخُلْد.

قال الربيعُ يونس الحاجب: سمعتُ المنصور يقول: الخلفاءُ أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. والملوكُ أربعة: معاوية، وعبدُ الملك بن مروان، وهشامُ بن عبد الملك، وأنا (٢).

وقال مالك: قال لي المنصور: مَنْ أفضَلُ الناسِ بعدَ رسولِ اللَّه ؟ فقلت: أبو بكر، وعمر. فقال: أصبت. وذلك رأيُ أميرِ المؤمنين.

وعن إسماعيل الفِهْري قال: سمعتُ المنصور على مِنبر عرَفَة يوم عَرَفةَ يقول: أيها الناس، إنَّما أنا سلطانُ اللَّه في أرضِه، أسوسُكم بتوفيقِهِ ورُشْدِه، وخازنُهُ على مالِه، أقسِمُه بإرادته وأُعطيه (٣) بإذنه، وقد


(١) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (١/ ٦٤، ٦٥)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (٣٢/ ٣٠٥، ٣٠٦).
(٢) تاريخ ابن عساكر (٣٢/ ٣٠٩).
(٣) في الأصل: وأعطيتُه، وفي بعض النسخ: وأُعطيه بإذنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>