للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: إنَّك كلَّما أمعنتَ النظرَ في مرآةِ التَّوبة بانَ لك قُبْحُ شَيْنِ المعْصِيَة.

وكتب إلى الثَّوْريّ: منْ عرَف ما يطلُب هانَ عليه ما يَبْذُل؛ ومنْ أطلَقَ بصرَهُ طالَ أسَفُه، ومن أطلَقَ أمَلَه ساء عمَلُه، ومن أطلق لسانَه قتَلَ نفسَه.

وسأله بعضُ الولاة (١): من أين مَعِيشتُك؟ فأنشأ يقول:

نُرَقِّعُ دنيانا بتَمْزيقِ ديننا … فلا دِينُنا يَبْقَى ولا مَا نُرَقِّعُ

وكان كثيرًا ما يتمَثَّلُ بهذه الأبيات:

لِمَا تُوعِدُ الدُّنيا به من شُرورِها … يكونُ بكاءُ الطفلِ ساعةَ يوضَعُ

وإلَّا فما يبكيهِ منها وإنَّها … لأرْوَحُ ممَّا كان فيه وأوْسَعُ

إذا أبصرَ الدُّنيا استهلَّ كأنما … يرى ما سَيَلْقى من أذاها ويَسْمعُ (٢)

وكان يتمثَّل أيضًا:

رأيتُ الذنوبَ تُميتُ القلوبَ … ويُورِثُها الذُّلَّ إدْمَانُها

وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ … وخيرٌ لنفسِكَ عِصْيَانُها

وما أفسدَ الدينَ إلا الملوكُ … وأحْبَارُ سَوْءٍ ورُهْبانُها

وباعوا النفوسَ فلم يَرْبَحوا … ولم تَغْلُ بالبيعِ أثْمَانُها

لقد رَتَعَ القومُ في جيفةٍ … يبينُ لِذِي اللُّبِّ إنتانُها (٣)

وقال: إنما الورعُ بتَسْويةِ كُلِّ الخلقِ في قلبِك، والاشتغال عن عُيوبِهم بذنبِك، وعليك باللَّفْظِ الجميل من قلبٍ ذَليل، لِرَبٍّ جَليل؛ فكرْ في ذنبِك وتُبْ إلى ربِّك، يَنْبُتِ الورَعُ في قلبِك؛ واقْطَعِ الطمعَ إلَّا من ربِّك.

وقال: ليس من أعلامِ الحُبِّ أنْ تُحبَّ ما يُبْغضُهُ حَبيبُك؛ ذمَّ مولانا الدُّنيا فمَدَحْناها، وأبغَضَها


(١) هو أبو جعفر المنصور كما في حلية الأولياء (٨/ ١٠). وينسب البيت لعبد اللَّه بن المبارك، وهو في ديوانه ص (٨٦) وبعده:
ففي كلِّ يوم يَبْتَديك بنعمةٍ … منه وأنت لشُّكْرِ ذاك مُضَيِّعُ
(٢) الأبيات لابن الرومي وهي في ديوانه بألفاظ مقاربة ص (٣٩٢)، وله أيضًا بقافية الدال ص (٣٧٣):
لمَا تُؤذن الدنيا به من صروفها … يكون بكاءُ الطفل ساعةَ يُولدُ
وإلا فما يبكيه منها وإنها … لأفْسَحُ ممَّا كان فيه وأرْغَدُ
إذا أبصرَ الدنيا اسْتَهلَّ كأنه … بما سوف يلقى من أذاها يُهدَّدُ
(٣) الأبيات لعبد اللَّه بن المبارك وهي في ديوانه ص (٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>