للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عشرة أذرع، وطوله عشرة أذرع، وبيده عصاه وطولها عشرة أذرع، فوصل إلى كعب قدمه فقتله.

يروى هذا عن نوف (١) البِكَالي، ونقله ابن جرير (٢) عن ابن عباس. وفي إسناده إليه نظر. ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات، وكل هذه من وضع جهال بني إسرائيل، فإن الأخبار الكذب قد كثرت عندهم ولا تمييز لهم بين صحتها وباطلها. ثمّ لو كان هذا صحيحًا لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن قتالهم، وقد ذمّهم الله على نكولهم، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم ومخالفتهم رسولهم، وقد أشار عليهم رجلان صالحان منهم بالإقدام، ونهياهم عن الإحجام. ويقال: إنهما يوشع بن نون وكالب بن يوقنا، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والسُّدّي والربيع بن أنس وغير واحد (٣).

﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ أي يخافون الله، وقرأ بعضهم (٤): ﴿يُخافون﴾ أي: يهابون ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ أي: بالإسلام والإيمان والطَّاعة والشجاعة: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: إذا توكلتم على الله واستعنتم به ولجأتم إليه نصركم على عدوِّكم وأيّدكم عليهم وأظفركم بهم.

﴿قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ فصمّم ملؤهم على النكول عن الجهاد، ووقع أمرٌ عظيمٌ وَوَهَنٌ كبيرٌ. فيقال: إن يوشع وكالب لمَّا سمعا هذا الكلام شقّا ثيابهما، وإنّ موسى وهارون سَجدا إعظامًا لهذا الكلام وغضبًا لله ﷿ وشفقةً عليهم من وبيل هذه المقالة.

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ قال ابن عباس: اقض بيني وبينهم (٥). ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ عوقبوا على نكولهم بالتيهان في الأرض، يسيرون إلى غير مقصد ليلًا ونهارًا وصباحًا ومساءً، ويقال: إنّه لم يخرج أحدٌ من التيه ممن دخله، بل ماتوا كلّهم في مدة أربعين سنة، ولم يبق إلَّا ذراريهم، سوى يوشع وكالب .

لكن أصحاب محمد يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم موسى لموسى، بل لما استشارهم في الذهاب


(١) في الأصل "عوف"، وهو تحريف، وهو نَوْف بن فَضَالة البِكالي، ابن امرأة كعب، مات بعد سنة (٩٠ هـ). قال في تقريب التهذيب: شامي مستور، وإنما كذّب ابن عباس ما رواه عن أهل الكتاب (٢/ ٣٠٩). والبِكالي: نسبة إلى بني بكال، بطن من حمير. اللباب (١/ ١٦٨)، ولا نعرف في الرواة من اسمه عوف البكالي.
(٢) تاريخ الطَّبري (١/ ٤٣١).
(٣) تفسير الطبري (٦/ ١١٣).
(٤) هي قراءة ابن عباس، ومجاهد وسعيد بن جبير. تفسير الطبري (٦/ ١١٣ - ١١٤) والبحر المحيط (١/ ١٢٣).
(٥) تفسير الطبري (٦/ ١١٦).