للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يبقَ إلَّا ذكرُهُ وحديثُهُ … تنادي عليه مُعْولاتٍ حلائلُهْ

فما عاش بعدَها إلَّا عشرًا حتى مات. وسامحه وأدخله الجنة، برحمته آمين.

ويُروى أنه لما قال له الهاتف:

كأنِّي بهذا القصرِ قد بادَ أهلُهُ … وقد درسَتْ أعلامُهُ ومنازلُهْ

فأجابه المهدي:

كذاكَ أمورُ الناسِ يَبْلَى جَديدُها … وكلُّ فتًى يومًا ستبلَى فعائلُهْ

فقال الهاتف:

تزوَّدْ من الدنيا فإنك مَيِّتٌ … وإنك مسؤولٌ فما أنتَ قائلُهْ؟

فأجابه المهدي:

أقولُ بأنَّ اللَّه حَقٌّ شهِدْتُهُ … وذلك قولٌ ليس تُحصَى فضائلُهْ

فقال الهاتف:

تزوَّدْ من الدنيا فإنك راحلٌ … وقد أزِفَ الأمرُ الذي بك نازلُهْ

فأجابه المهدي:

متى ذاك خَبِّرْني هُديتَ فإنني … سأفعلُ ما قد قلتَ لي وأعاجِلُهْ

فقال الهاتف:

تلَبَّثْ ثلاثًا بعد عشرينَ ليلةً … إلى مُنْتَهى شهرٍ وما أنتَ كاملُهْ

قالوا: فلم يعِشْ بعدَها إلا تسعًا وعشرينَ يومًا حتى مات. رحمه اللَّه تعالى.

وقد ذكر ابنُ جرير (١) اختلافًا في سبَبِ موتِه؛ فقيل إنه ساق خلفَ ظبْيٍ والكلابُ بين يديه، فدخل الظبيُ إلى خَرِبَةٍ، فدخلتِ الكلابُ وراءَهُ، وجاء الفرس، فحمل بمشواره، فدخل الخَرِبة، فكُسر ظهرُه، وكانت وفاتُه بسببِ ذلك.

وقيل: إنَّ بعض حظاياهُ بعثَتْ إلى أخرى لبنًا مسمومًا، فمرَّ الرسولُ بالمهدي، فأكل منه فمات. وقيل: بل بعثَتْ إليها بصينيَّةٍ فيها الكُمَّثْرَى، وفي أعلاها واحدةٌ كبيرةٌ مسمومة، وكان المهديُّ يُعجبُه الكُمَّثْرَى، فمرَّتْ به الجاريةُ ومعها تلك الصينية، فرآها فاستدعاها، فأخذ التي في أعلاها، فأكلها


(١) هو الطبري في تاريخه (٤/ ٥٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>