للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعندهم (١) أن بني إسرائيل سمعوا كلام الله، ولكن لم يفهموا حتى فهّمهم موسى، وجعلوا يقولون لموسى: بلِّغنا أنتَ عن الرب ﷿ فإنا نخاف أن نموت، فبلّغهم عنه، فقال هذه العشر الكلمات وهي: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والنّهي عن الحلف بالله كذبًا، والأمر بالمحافظة على السّبت، ومعناه تفرُّغ يومٍ من الأسبوع للعبادة، وهذا حاصل بيوم الجمعة الذي نسخ الله به السَّبت.

كرّم (٢) أباك وأمك ليطول عمرك بالأرض (٣) الذي يعطيك الله ربك، لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على صاحبك شهادة زور، لا تمدّ عينك إلى بيت صاحبك، ولا تشْتَهِ امرأة صاحبك ولا عبدَه ولا أَمته ولا ثورَه ولا حمارَه ولا شيئًا من الذي لصاحبك، ومعناه النّهي عن الحسد.

وقد قال كثيرٌ من علماء السلف وغيرهم (٤): مضمون هذه العشر الكلمات في آيتين من القرآن، وهما قوله تعالى في سورة الأنعام ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ .... ﴾ الآية [: ١٥١ - ١٥٣].

وذكروا بعد العشر الكلمات وصايا كثيرةً وأحكامًا متفرّقةً عزيزةً كانت فزالت، وعملت بها حينًا من الدهر، ثمّ طرأ عليها عصيانٌ من المكلّفين بها، ثمّ عمدوا إليها فبدّلوها وحَرَّفوها وأوَّلوها. ثمّ بعد ذلك كلّه سَلَبوها فصارت منسوخةً مبدَّلة بعد ما كانت مشروعةً مكملة، فلله الأمر من قبلُ ومن بعدُ، وهو الذي يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، ألا له الخَلْقُ والأمر، تبارك الله ربُّ العالمين.

وقد قال الله تعالى: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٠ - ٨٢].

يذكر تعالى منّته وإحسانه إلى بني إسرائيل بما أنجاهم من أعدائهم، وخلّصهم من الضيق والحرج، وأنه وعدهم صحبة نبيهم كليمه إلى جانب الطور الأيمن؛ أي: منهم، لينزّل عليه أحكامًا عظيمةً فيها مصلحةٌ لهم في دنياهم وأخراهم، وأنّه تعالى أنزل عليهم في حال شدَّتهم وضرورتهم في سفرهم في


(١) سفر الخروج، الإصحاح العشرون.
(٢) كذا في أ، و ب. وفي ط: أكرم، وكذلك لفظ العهد القديم.
(٣) في ب، وط: في الأرض. وفي العهد القديم: على الأرض.
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٣/ ٣٨١).