للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مجاهد ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾: فإنه أكبر منك، وأشدّ خلقًا، فلما تجلّى ربّه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل فدُكَّ على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل، فخر صَعِقًا.

وقد ذكرنا في "التفسير" (١) ما رواه الإمام أحمد (٢)، والترمذي (٣) وصحّحه، وابنُ جرير (٤) والحاكم (٥)، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت - زاد ابن جرير وليث - عن أنس: أن رسول اللّه قرأ: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ قال: هكذا بإصبعه ووضع النبي الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل. لفظ ابن جرير.

وقال السُّدِّي عن عكرمة، وعن ابن عباس: ما تجلّى - يعني من العظمة - إلّا قدر الخنصر، فجعل الجبل دكًا، قال: ترابًا ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ أي: مَغْشِيًّا عَلَيه. وقال قتادة: ميتًا. والصحيح الأول؛ لقوله ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ﴾ فإن الإفاقة إنما تكون عن غشي.

قال ﴿سُبْحَانَكَ﴾ تنزيهٌ وتعظيمٌ وإجلالٌ أن يراه بعظمته أحدٌ ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ أي: فلستُ أسأل بعد هذا الرؤيةَ ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أنّه لا يراك حيٌّ إلا مات، ولا يابس إلا تَدَهْدَه (٦).

وقد ثبت في "الصحيحين" من طريق عمرو بن يحيى بن عُمارة بن أبي حسن المازني الأنصاري، عن أبيه، عن أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول اللّه : "لا تُخَيّرُوني مِنْ بَيْنِ الأَنْبياءَ، فإنَّ النَّاسَ يُصعَقُوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ فَأَكُوْنُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيْقُ، فإذا أَنا بِمُوْسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ (٧) فلا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلي أم (٨) جُوْزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّوْرِ" (٩). لفظ البخاري. وفي أوله قصة اليهودي الذي لطم وجهه الأنصاريُّ حين قال:


(١) تفسير ابن كثير (٣/ ٢٤٤) وما بعدها.
(٢) في مسنده (٣/ ١٢٥. و ٢٠٩).
(٣) سنن الترمذي رقم (٣٠٧٤) في التفسير، باب ومن سورة الأعراف.
(٤) تفسير الطبري (٩/ ٣٧).
(٥) المستدرك (١/ ٢٥ و ٢/ ٣٢٠ و ٥٧٧).
(٦) في ب: يَدَّهْدَه.
(٧) في ب: فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش، وسيرد الحديث بعد قليل بهذا اللفظ.
(٨) كذا في ب، والبخاري، وهو وفاق ما عليه أهل النحو. وفي أ، وط: أو
(٩) في البخاري: برقم (٢٤١٢) في أول الخصومات. و (٣٣٩٨) في الأنبياء، باب قوله تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾، و (٤٦٣٨) في تفسير سورة الأعراف، باب، ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا﴾، و (٦٩١٦ و ٦٩١٧) في الديات، باب إذا لطم المسلم يهوديًا عند الغضب. و (٧٤٢٧) في التوحيد، باب ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾.
ومسلم رقم (٢٣٧٤) في الفضائل، باب من فضائل موسى . وفي الروايات بعض اختلاف.