للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طاف الهوَى في عبادِ اللَّه كلِّهم … حتى إذا مرَّ بي من بينهم وَقَفا

فقال له العباس: فقولك يا أميرَ المؤمنين أرَقُّ من هذا كُلِّه:

أما يَكْفيكِ أنّكِ تَمْلِكيني … وأنَّ النَّاسَ كلَّهُمُ عَبِيدي

وأنك لو قطعتِ يَدِي ورِجْلي … لقلتُ من الهوى أحسنتِ زِيدي

قال: فضحك الرشيد وأعجبه ذلك.

ومن شعر الرشيد في ثلاثِ حظِيَّاتٍ كُنَّ عندَهُ من الخواصّ قولُه:

مَلَكَ الثلاثُ الناشئاتُ عِنَاني … وحَلَلْنَ من قلبي بكلِّ مَكَانِ

مالي تطاوِعُني البريَّةُ كلُّها … وأُطيعُهنَّ وهُنَّ في عِصْيَاني

ما ذاك إلَّا أنَّ سلطانَ الهوَى … وبِهِ قَوِينَ أعَزُّ مِنْ سُلْطاني

وما أورد له صاحبُ "العِقْد" في كتابه (١):

تُبْدِي الصدودَ وتُخْفي الحبَّ عاشقةٌ … فالنفسُ راضيةٌ والطَّرْفُ غَضْبَانُ

وذكر ابنُ جرير وغيرُه أنه كان في دارِ الرشيد من الجواري والحظايا وخدَمِهِنَّ وخدَم زوجتِه وأخَوَاتِه أربعةُ آلافِ جارية، وأنَّهنَّ حضَرْنَ يومًا بين يديه، فغنَّتْهُ المطرِباتُ منهنّ، فطَرِبَ جدًّا، وأمَرَ بمالٍ فنُثِر عليهن. وكان مبلَغُ ما حصل لكلِّ واحدةٍ منهن ثلاثةَ آلافِ درهم في ذلك اليوم. رواه ابن عساكر أيضًا (٢).

ورَوَى (٣) أنه اشترى جاريةً من المدينة فأُعجب بِها جدًّا، فأمَرَ بإحضار مواليها ومَنْ يَلُوذُ بها ليقضي حوائجَهم. فقَدِموا عليه بثمانينَ نفسًا، فأمر الحاجبَ -وهو الفضل بن الربيع- أن يتلقَّاهم ويكتبَ حوائجَهم. فكان فيهم رجلٌ، قد أقام بالمدينة لأنه كان يَهْوَى تلك الجارية، فبعثَتْ إليه، فأتى به، فقال له الفضل: ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن يُجلِسَني أميرُ المؤمنين مع فلانة، فأشربَ ثلاثةَ أرطالٍ من خمرٍ. وتُغَنِّيني ثلاثةَ أصوات. فقال: أمجنونٌ أنت؟! فقال: لا، ولكن اعْرِضْ حاجتي هذه على أميرِ المؤمنين. فذكر للرشيد ذلك، فأمر بإحضارِه، وأنْ تَجلِسَ معه الجاريةُ بحيثُ ينظرُ إليهما ولا يَرَيَانِه. فجلسَتْ على كُرسي، والخُدَّامُ بين يدَيْها، وأُجلس على كُرسي، فشَرِبَ رِطْلًا وقال لها: غَنِّي:

خليليَّ عُوجَا بارك اللَّه فيكما … وإنْ لم تكُنْ هندٌ بأرضِكُما قَصْدا


(١) هو ابن عبد رَبِّه في كتابه العقد، وبعضهم يُطلق عليه اسم "العقد الفريد" انظر كشف الظنون (٢/ ١١٤٩).
(٢) انظر مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور (٢٧/ ٣٢، ٣٣).
(٣) ابن عساكر، انظر مختصر تاريخه لابن منظور (٢٧/ ٣٤، ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>