قال: فقام الحائكُ يرقُصُ ويصفِّقُ سائرَ يومِه، ويفرَحُ ويقول: إنه شبَّهها واللَّه بمَلِك الرُّوم. ومن شعرِهِ أيضًا:
أبْرَمني الناسُ يقولونَ تُبْ … بزَعْمِهِمْ كَثَّرْتُ أوْزَارِيَه (١)
إنْ كنتُ في النارِ وفي جنَّةٍ … ماذا عليكم يا بني الزَّانِيَهْ
وبالجملة، فقد ذكروا له أمورًا كثيرة ومجونًا وأشعارًا مُنكرة؛ وله في الخمريات والقاذورات والتشبيب بالمُرْدانِ والنِّسوان أشياءُ بشعةٌ شَنيعة. فمن الناس منْ يُفَسِّقُه ويَرْميهِ بالفاحشة؛ ومنهم من يرميه بالزَّنْدَقة؛ ومنهم من يقول: كان إنما يخرب على نفسه. والأول أظهر، لمَا في أشعارِهِ. فأمَّا الزندقةُ فبعيدةٌ عنه، ولكنْ كان فيه مُجون وخلاعةٌ كثيرة. وقد عزَوْا إليه في صِغَرِه وكِبَرِه أشياء مُنكرَة، اللَّه أعلمُ بصِحَّتِها. والعامَّةُ تنقلُ عنه أشياء كثيرةً لا حقيقةَ لها. وفي صحنِ جامعِ دمشق قُبَّةٌ يَفُورُ منها الماء، يقولُ الدماشقة: قبة أبي نُواس، وهي مبنيَّةٌ بعدَ موتِهِ بأزيَدَ من مئةٍ وخمسين سنة؛ فما أدْري لأيِّ شيءٍ نُسبَتْ إليه، فاللَّه أعلمُ بِهذا.
وقال محمد بن أبي عمير: سمعتُ أبا نُواسٍ يقول: واللَّه ما فتحتُ سراويلي لِحَرامٍ قَطّ.
وقال له محمدٌ الأمينُ بنُ الرشيد: أنتَ زِنْديق. فقال: يا أمير المؤمنين، لستُ بِزْنديق، وأنا أقول:
أُصلِّي الصلاةَ الخمسَ في حينِ وقتِها … وأشهدُ بالتوحيدِ للَّهِ خاضعا
وأُحسنُ غُسْلي إنْ ركبتُ جَنَابةً … وإنْ جاءني المسكينُ لم أكُ مانعا
وإِنِّي إنْ حانتْ من الكاسِ دعوةٌ … إلى بيعةِ الساقي أجبتُ مسارعا
وأشْرَبُها صِرْفًا على جَنْبِ ماعزٍ … وجَدْيٍ كثيرِ الشَّحْمِ أصبح راضعا
وجُوذابِ حُوَّارَى ولَوْزٍ وسُكَّرٍ … وما زال للخمَّارِ ذلك نافعا
وأجعَلُ تَخْليطَ الروافِضِ كلّهم … لِفَقْحةِ بَخْتَيْشُوعَ في النار طائعا
فقال له الأمين: ويحك! وما الذي ألجأك إلى فَقْحةِ بَخْتَيشُوع؟ فقال: به تَمَّتِ القافية. فأمَرَ له بجائزة. وبَخْتَيشوعُ الذي ذكرَهُ هو طبيبُ الخلفاء.
وقال الجاحظ: لا أعرفُ في كلام الشعراءِ أرَقَّ لا أحسَنَ من قولِ أبي نُواس حيث يقول:
أيَّةُ نار قَدَحَ القادِحُ … وأيُّ جدٍّ بلَغَ المازحُ
(١) ليس الشعر في ديوان أبيٍ نواس، وفي (ح، ق): "يقولون بزعمهم"، وفي (ب): "تب عمهم". وما أثبتُّه أشبه بالصواب وزنًا ومعنى.