وهكذا وقع. وقد قال بعض السلف: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ مسجَّلةٌ لكلِّ صاحب بِدعةٍ إلى يوم القيامة.
ثمّ أخبر تعالى عن حلمه، ورحمته بخلقه، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب إليه بتوبته عليه فقال: ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ لكنْ لم يقبلِ اللّهُ توبة عابدي العجل إلا بالقتل كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ٥٤] فيقال: إنّهم أصبحوا يومًا وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف، وألقى اللّه عليهم ضَبابًا حتى لا يعرف القريبُ قريبَه ولا النسيب نسيبه، ثمّ مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم. فيقال: إنّهم قتلوا في صبيحةٍ واحدة سبعين ألفا.
ثمّ قال اللّه تعالى: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ استدلّ بعضهم بقوله: ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا﴾ على أنّها تكسّرت، وفي هذا الاستدلال نظر، وليس في اللفظ ما يدلّ على أنّها تكسّرت. واللّه أعلم.
وقد ذكر ابن عباس في حديث الفتون - كما سيأتي (١) - أن عبادتهم العجل كانت على أثر خروجهم من البحر، وما هو ببعيد؛ لأنهم حين خرجوا ﴿قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾.
وهكذا عند أهل الكتاب أن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم بلاد بيت المقدس، وذلك أنّهم لما أُمروا بقتل من عبد العجل قَتَلوا في أول يوبم ثلاثة آلاف. ثمّ ذهب موسى يستغفر لهم فغفر لهم بشرط أن يدخلوا الأرض المقدّسة.
ذكر السُّدَي وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماءَ بني إسرائيل، ومعهم موسى وهارون ويوشع وناداب وأبيهو، ذهبوا مع موسى ﵇ ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجلَ، وكانوا قد أُمروا أن يتطيّبوا ويتطهَّروا ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل، وعليه