للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِسْرَائِيلَ﴾ أي: تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي

رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

وقد كان هارون نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشدَّ النهي، وزجرهم عنه أتمَّ الزجر. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ﴾ أي: إنّما قدّر اللّه أمر هذا العجل وجعله يخور فتنةً واختبارًا لكم ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ﴾ أي: لا هذا ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾ أي: فيما أقول لكم ﴿وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ يشهد اللّه لهارون وكَفَى باللّهِ شَهيدًا، أنّه نهاهم، وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه، ولم يتّبعوه.

ثم أقبل موسى على السّامري ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ﴾ أي: ما حملك على ما صنعت؟ ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ أي: رأيت جبريل وهو راكب فرسًا ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ أي: من أثر فرس جبريل.

وقد ذكر بعضهم أنّه رآه وكلّما وطئت بحوافرها على موضعٍ اخضرَّ وأعشبَ، فأخذ من أثر حافرها، فلما ألقاه في هذا العجل المَصُوْغ (١) من الذهب كان من أمره ما كان، ولهذا قال: ﴿فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ﴾ وهذا دعاء عليه بأن لا يَمَسَّ أحدًا معاقبة له على مسّه ما لم يكن له مسّه. هذا معاقبة له في الدنيا، ثم توعّده في الأخرى فقال: ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ وقرئ ﴿لَنْ تُخْلِفَهُ﴾ (٢) ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾. قال: فعمد موسى إلى هذا العجل فحرّقه بالنار كما قاله قتادة وغيره. وقيل: بالمبارد، كما قاله علي وابن عباس وغيرهما، وهو نص أهل الكتاب (٣)، ثمّ ذراه في البحر، وأمر بنى إسرائيل فشربوا، فمن كان من عابديه عَلِق على شفاههم من ذلك الرماد منه ما يدل عليه، وقيل: بلّ اصفرّت ألوانهم.

ثئم قال تعالى إخبارًا عن موسى أنّه قال لهم: ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾


(١) في ط: المصنوع.
(٢) قوله: وقرئ: لن تخلفه. سقط في ب. وفي ط: نخلفه: بالنون.
وقراءة ﴿لَنْ تُخْلِفَهُ﴾ بفتح اللام هي قراءة الجمهور. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿تُخْلِفَهُ﴾ بكسر اللام. أي: لن تغيب عنه. على وجه التهديد. أي: ستصير إليه مريدًا أو كارها، فلا يكون لك سبيل إلى أن تخلفه. حجة القراءات (٤٦٢ - ٤٦٣).
(٣) الذي قاله أهل الكتاب في سفر الخروج، الإصحاح الثاني والثلاثين: ثم أخذَ العجلَ الذي صنعوا، وأحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعمًا، وذراه على الماء، وسقى بني إسرائيل.