للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنِّي وإنْ كنتُ المسيءَ (١) بِعَيْنِهِ … فإنِّي بربِّي مُوقنٌ حَسَنُ الظنِّ (٢)

عَدَوْتُ على نفسي فعادَ بعفوِهِ … عليَّ فعادَ العفوُ مَنًّا على مَنِّ

فقال المأمون: أحسنتَ يا أميرَ المؤمنين حقًّا. فرمَى العودَ من حجره ووثَبَ قائمًا فزعًا من هذا الكلام، فقال له المأمون: اقعد واسكن، مرحبًا بك، لم يكن ذلك لشيءٍ تتوهّمه، وواللَّه لا رأيتَ (٣) طولَ أيامي شيئًا تكرهه وتغتمُّ به. ثم أمر له بردِّ جميع ما كان له من الأموال والضياع والدُّور، فردَّت إليه، وأمر له بعشرة آلاف دينار وخلَع عليه، وخرج من عنده مكرَّمًا معظّمًا.

عرس بُوران (٤): وفي رمضان منها بنى المأمونُ ببوران بنت الحسن بن سهل، وقيل: إنه خرج من بغداد في رمضان إلى معسكر الحسن بن سهل بفَم الصِّلْح (٥)، وكان [الحسن] قد عوفي من مرضه ذلك، فنزل المأمون عنده بمن معه من وجوه الأمراء والرؤساء وأكابر بني هاشم، فدخل ببوران في شوَّال من هذه السنة في ليلةٍ عظيمة، وقد أُشعلت بين يديه شموع العنبر، ونُثر على رأسه الدرُّ والجوهر، فوق حصر منسوجة بالذهب الأحمر. وقد كان عددُ الجوهر منه ألفَ درّةٍ، فأمر به فجمع في صينيته التي كان فيها من الذهب، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، إنَّما نثرناه لتلتقطه الجواري، فقال: لا أنا أعوّض من ذلك، فجمع ذلك كله.

فلمَّا جاءت العروسُ ومعها جَدّتها (٦)، وزُبيدة أمّ الأمين -من جملة من جاء معها- فأُجلست إلى جانبه، فصبَّ في حِجْرها ذلك الجوهرَ، وقال: هذا نِحْلةٌ منّي لك، وسلي حاجتك، فأطرقت حياءً. فقالت جدَّتُها: تكلمي وسلي من سيدك ما أمرك به. فقالت: يا أمير المؤمنين، أسألك أنْ ترضَى عن عمِّك إبراهيمَ بنِ المهدي. وأن تردَّه إلى منزلته التي كان فيها قبل ذلك. فقال: نعم! قالت: وأمّ جَعفر -تعني: زُبيدة- تأذن لها في الحجّ. قال: نعم! فخلعت عليها زبيدة بذلتها (٧) الأميرية، وأطلقت لها قرية مقوَّرة.

وأمَّا والدُ العروس الحسنُ بن سهل فإنَّه كتب أسماء قُراه (٨) وضياعه وأملاكه في رقاع ونثرها على


(١) في أ، ظا: المسمّى وأثبت ما جاء في ب، ط.
(٢) في الأصول المخطوطة: فإني بربي تعالى جدّه حسن الظن، وهو تحريف.
(٣) ابن عساكر: لا رأيت مني.
(٤) ترجم لها المؤلف في حوادث سنة ٢٧١ هـ.
(٥) "فمُ الصِّلْح" نهر كبير فوق واسط، وفيه كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون. (ياقوت).
(٦) في أ، ب: جدّته، وأثبت ما جاء في ظا والطبري.
(٧) في الطبري: البَدَنة الأموية، ولعله الصواب. و"البَدَنة": الثوب يُشق فتلبسه المرأة من غير جيب ولا كُمَّيْن.
(٨) في الأصول: قراياه، وأثبت ما جاء في ط. وجمع القرية: القُرى، على غير قياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>