للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في دكان عليه أثواب خَلقة (١)، فنظر إليَّ نظرَ مَن يرحمُني أو يتعجَّبُ من أمري، فقال (٢):

أرَى كلَّ مَغْرُورٍ تُمَنِّيهِ نفسُهُ … إذا ما مَضَى عامٌ سلامةَ قابِلِ

وقال يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يوم عيد خطب الناس؛ حمد اللَّه وأثنى عليه، وصلَّى على رسول اللَّه ثم قال: عبادَ اللَّه! عظم أمرُ الدارين، وارتفع جزاءُ العاملين، وطالت مدَّة الفريقين، فواللَّه إنه للجِدُّ لا اللعبُ، وإنَّه للحَق لا الكذِب، وما هو إلَّا الموت، والبعث، والحساب، والفَصْل، والصّراط، ثم العقاب، والثواب. فمن نجا يومئذ فقد فاز، ومن هَوَى يومئذ فقد خاب. الخيرُ كُلُّه في الجنة، والشرُّ كلُّه في النار (٣).

وروى ابن عساكر (٤) من طريق النَّضْر بن شُميل، قال: دخلْتُ على المأمون، فقال: كيف أصبحْتَ يا نَضْر؟! قلت: بخير يا أمير المؤمنين! فقال: ما الإرجاء (٥)؟ فقلْتُ: دين يوافق الملوكَ؛ يصيبون به من دنياهم وينقصون من دينهم. قال: صدقْتَ. ثم قال: يا نَضْر! أثدري ما قلْتُ في صبيحة هذا اليوم؟ قلت: إني لم أعلم الغيب. فقال: قلت (٦):

أصْبَحَ ديني الَّذي أدِينُ بهِ … وَلَسْتُ منهُ الغَدَاةَ مُعْتَذِرا

حبُّ عليٍّ بعدَ النَّبيِّ ولا … أشتِمُ صِدِّيقنا ولا عُمَرا

ثم ابن عفَّان في الجِنَانِ مَعَ الـ … أبْرارِ ذاكَ القتيلُ مُصْطَبِرا

لا، لا، ولا أشتمُ الزُّبيرَ ولا … طلحةَ إنْ قالَ قائلٌ غدرَا

وعائشُ الأمُّ لستُ أشْتِمُها … مَن يَفْتَرِيها فنَحْنُ منهُ برا

وهذا المذهب ثاني مراتب التشيّع، وفيه (٧) تفضيل عليٍّ على عثمان (٨). وقد قال بعضُ السَّلف والدارقطني: مَن فضَّل عليًّا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار -يعني في اجتهادهم ثلاثة أيام، ثم اتفقوا على تقديم عثمان على علي بعد مقتل عُمَرَ، وبعد ذلك ستَّ عشرةَ مرتبةً في التشيّع، على ما ذكره صاحبُ كتاب "البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم"، ينتهي إلى أكفر الكفر.


(١) يقال: ثوب خَلَق: بالٍ، والجمع خُلْقان وأخْلاق.
(٢) ابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٣٩).
(٣) ابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٤٨).
(٤) ابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٤٨ - ٢٤٩).
(٥) في ابن عساكر: أتدري بالإرجاء؟.
(٦) الأبيات في ابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٤٩)، وسير أعلام النبلاء (١٠/ ٢٨٢)، ووفيات الأعيان (٢/ ٢٣٨).
(٧) في ب، ظا: وقبله.
(٨) في ط: الصحابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>