للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روَينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ، أنه قال: لا أُوتى بأحدٍ فضَّلني على أبي بكرٍ وعُمَر إلا جَلَدتُه جَلْدَ المُفْتَري. وتواتر عنه أنه قال: خيرُ الناس بعد رسول اللَّه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان (١).

فقد خالف المأمون بن الرشيد في مذهبه الصحابة كلَّهم حتى علي بن أبي طالب، .

وقد أضاف المأمون إلى بدعته هذه التي أزرى فيها على المهاجرين والأنصار، وخالفهم في ذلك، البدعةَ الأخرى والطَّامة العظمى، وهي القولُ بِخَلْقِ القرآن، مع ما فيه من الانهماك على تعاطي المسكِر وغير ذلك من الأفعال التي يعذر فيها المنكِر.

ولكن كان فيه شهامة عظيمة، وقوة جسيمة، وله همة في القتال، وحصار الأعداء، ومصابرة الروم وحصرهم في بلدانهم، وقتل فرسانهم، وأسر ذراريهم وولدانهم.

وكان يقول: [معاوية] بعَمْرِه، وعبد الملك بحجَّاجِهِ، وأنا بنفسي (٢).

وكان يقصد العدل، ويتوَّلى بنفسه بين الناس الفصلَ؛ جاءته امرأة ضعيفة فتظلَّمت على ابنه العباسِ وهو واقف على رأسه، فأمرَ الحاجبَ فأخذ بيده فأجلَسَه معها بين يديه، فادَّعَتْ عليه أنه أخذ ضيعةً لها واستحوذ عليها، فتناظرا ساعةً فجعل صوتُها يعلو على صوته، فزجرها بعضُ الحاضرين، فقال له المأمون: اسكت، فإنَّ الحقَّ أنطقها والباطلَ أسكته، ثم حكم لها بحقها، وأغرم لها ولَدَه بعشرة آلاف درهم (٣).

وكتب إلى بحض الأمراء: ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضَّة، وغريمك عارٍ، وجارك طاوٍ (٤).

ووقف رجلٌ بين يدي المأمون، فقال له المأمون: واللَّه لأقتلنَّك! فقال: يا أميرَ المؤمنين، تأنَّ عَليَّ، فإنَّ الرِّفْقَ نِصفُ العَفْو، فقال: ويحك! وقد حلفت لأقتلنَّكَ! فقال: يا أميرَ المؤمنين، لأنْ تلقى اللَّه ﷿ حانِثًا خيرٌ لك من أن تلقاه قاتلًا. فعفا عنه (٥).

وكان يقول: ليت أهلَ الجرائم يعرفون مذهبي في العفو حتى يذهبَ الخوفُ عنهم، ويدخلَ السُّرورُ إلى قلوبهم (٦).


(١) قوله: ثم عثمان لم يرد في ب، ط.
(٢) تاريخ بغداد (١٠/ ١٩٠)، وابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٥٥)، والوافي بالوفيات (١٧/ ٦٥٦).
(٣) العقد الفريد (١/ ٢٢)، وابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٥٦).
(٤) العقد الفريد (٤/ ٣٠٣)، وابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٥٨).
(٥) تاريخ بغداد (١٠/ ١٩١)، وابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٥٩).
(٦) ابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٥٩)، والوافي بالوفيات (١٧/ ٦٥٧)، وتاريخ الخلفاء للسيوطي (ص ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>