للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعثتكَ مُشْتاقًا ففُزْتَ بنَظْرةٍ … وأغفَلْتَني حتَّى أسأْتُ بكَ الظَّنَّا

وناجيْتَ مَنْ أهْوَى فَكُنْتَ مُقَرَّبًا … فياليتَ شعري عن دُنوِّك ما أغْنَى

وردَّدْتَ طَرفًا في محاسِنِ وجْهها … ومَتَعْتَ باستمتاع نغْمَتِها أذْنا

أرى أثرًا في صحن خدِّك لم يكن (١) … لقد سرقَتْ عيناكَ من حُسْنِها حُسْنا

ولما ابتدَعَ المأمونُ ما ابتدع من التشيُّع والاعتزال، فرح بذلك بِشْر المَرِيسي (٢) -وكان شيخَ المأمون ذلك- فأنشأ المَرِيِسيّ يقول (٣):

قد قالَ مأمُونُنا وسيِّدُنا … قَولًا له في الكتابِ تَصديقُ

إنَّ عليًّا أعني أبا حَسَنٍ … أفضلُ من أرقلَتْ به النُّوقٌ (٤)

بَعْدَ نبيِّ الهُدَى وإنَّ لنا … أعمالَنا، والقرانُ مخلوقُ

فأجابه بعضُ الشعراء من أهل السنة فقال (٥):

يا أيُّها النَّاسُ لا قولٌ ولا عملٌ … لِمَنْ يقولُ: كلامُ اللَّه مخلوقُ

ما قالَ ذاكَ أبو بكرٍ ولا عُمَرٌ … ولا النبيُّ ولم يذكرْهُ صِدّيقُ

ولم يقلْ ذاكَ إلا كُلُّ مبتدِعٍ … على الإله وعندَ اللَّه زنديقُ

عَمْدًا أرادَ بهِ إمحاقَ دينكمُ … لأنَّ دينهُم واللَّهِ ممحوقُ

أصبَحَ يا قوم عقلًا من خليفتكمْ … يُمسي ويُصبح في الأغلالِ موثوقٌ (٦)

وقد سأل بشر من المأمون أن يطلب قائلَ هذا فيؤدِّبه على ذلك، فقال: ويحك! لو كان فقيهًا لأدَّبته، ولكنه شاعر فلست أعرِضُ له.

ولما تجهز المأمون للغزو في آخر سفرة سافرها إلى طَرَسُوسَ، استَدْعَى بجاريةٍ كان يحبُّها وقد


(١) في ط والطبري وابن الأثير: أرى أثرًا منه بعينك بينًا.
(٢) من كبار الفقهاء، قال بخلق القرآن، ودعا إليه. وسيورد المؤلف ترجمته بعد قليل.
(٣) ابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٨٢).
(٤) "أرْقَلت به النوق": أسرعت.
(٥) ابن عساكر (الجزء ٣٩/ ٢٨٢).
(٦) روايته في ط:
يا قوم أصبح عقل من خليفتكم … مقيَّدًا وهو في الأغلال موثوق

<<  <  ج: ص:  >  >>