للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت صفيحة موصولة في أسفلها مسمورة بثلاثة (١) مسامير- فلمَّا انتهى إليه ضربه بها على عاتقه، وهو مربوطٌ بحبْلٍ قد أوقف على نطعٍ، ثم ضربه أخرى على رأسه، ثم طعنَه بالصَّمصامة في بطنه، فسقط صريعًا على النّطع ميتًا، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون. ثم انْتَضَى سِيمَا الدّمشقي سيفَه فضرب عنقَه، وحزَّ رأسه، وحُمل معترضًا حتى أُتِيَ [به] الحظيرة التي فيها بابَك الخُزَّميّ، فصلب فيها، وفي رجليه زَوْج قُيود، وعليه سَرَاويل وقميص، وحُمل رأسُه إلى بغدادَ، فنُصبَ في الجانب الشرقيّ أيامًا، وفي الجانب الغربيّ أيامًا، وعنده الحرسُ في الليل والنهار، وفي أذنه رقعة مكتوبٌ فيها: هذا رأسُ الكافر المشرك الضّال أحمد بن نَصْر، ممن قُتل على يدي عبدِ اللَّه هارون الإمام الواثق باللَّه أميرِ المؤمنين، بعد أن أقام عليه الحجّة في خَلْق الفرآن، ونفي التشبيه، وعَرَضَ عليه التوبةَ، ومكَّنه من الرجوع إلى الحق، فأبَى إلَّا المعاندة والتصريح، فالحمدُ للَّه الذي عجَّله إلى ناره وأليم عقابه بالكُفْر، فاستحلَّ بذلك أميرُ المؤمنين دَمَهُ، ولعْنَه.

ثم أمر الخليفة بتتبع رؤوس أصحابه، فأخذ منهم نحوًا من سبعة وعشرين رجلًا، فأودعوا في السجون، وسُمُّوا الظلمة، ومُنعوا أن يزورَهم أحد، وقيّدوا بالحديد، ولم يُجرَ عليهم شيء من الأرزاق التي كانت تجري على المحبوسين، وهذا ظلمٌ عظيمٌ.

[هذا ملخص ما أورده ابن جرير، ] (٢)

وقد كان أحمد بن نَصْر هذا من أكابر العلماء العاملين، وممن كان قائمًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسمع الحديث من حمّاد بن زيد، وسفيان بن عُيينة، وهُشَيم بن بشير، وكانت عندَه مصنَّفاته كلُّها، وسمع من الإمام مالك بن أنس أحاديثَ جيدة، ولم يحدِّث بكثير من حديثه.

وحدث عنه أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقيُّ، وأخوه يعقوب بن إبراهيم، ويحيى بن مَعين؛ وذكره يومًا فترحَّم عليه، وقال: قد خَتَم اللَّهُ له بالشهادة، وقد كان لا يحدِّث؛ يقول: إني لست أهلَ ذاك. وأحسن يحيى بن معين الثناء عليه (٣).

وذكره الإمام أحمد بن حنبل يومًا، فقال: ! ما كان أسخاه! لقد جاد بنفسه للَّه ﷿ (٤).


(١) في أ، ظا غير مقروءة، وأثبت ما جاء في ب والطبري.
(٢) زيادة في ب، ظا، وكذلك في تاريخ الطبري (٩/ ١٣٥ - ١٣٩).
(٣) تهذيب الكمال (١/ ٥٠٧).
(٤) سير أعلام النبلاء (١١/ ١٦٨)، وتهذيب الكمال (١/ ٥١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>