للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال جعفر بن محمد الصائغ: بَصَرُ عينيَّ وإلا فعَميتا، وسَمْعُ أذنيَّ وإلا فصمَّتا، أحمدُ بن نَصْر الخُزَاعيُّ حين ضُرِبَتْ عنقُهُ يقولُ رأسُه: لا إله إلا اللَّه (١).

وقد سمعه بعضُ الناس ورأسُه مصلوبٌ على الجِذْع يقرأ: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ١ - ٢]، قال: فاقشعرَّ جلدي (٢).

ورآه بعضُهم في النوم فقال له: ما فعلَ بك ربُّك؟ فقال: ما كانت إلا غفْوةً حتَّى لقيتُ اللَّه ﷿، فضحك إليَّ. ورأى بعض الناس في المنام رسولَ اللَّه ومعه أبو بكر وعمر، وقد مرُّوا على الجِذْع الذي عليه رأس أحمد بن نَصْر، فلما جاوزه أعرضَ رسولُ اللَّه بوجهه الكريم عنه، فقيل له: يا رسولَ اللَّه! ما لك أعرضتَ عن أحمدَ بن نَصْر؟ فقال: استحياءً منه حين قتله رجلٌ من أهل بيتي (٣).

ولم يزل رأس أحمد بن نَصْر منصوبًا ببغداد من يوم الخميس الثامن (٤) والعشرين من شعبان من هذه السنة، أعني سنة إحدى وثلاثين ومئتين، إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومئتين، فجُمع بين رأسه وجثته، ودُفِنَ بالجانب الشرقيّ من بغداد، بالمقبرة المعروفة بالمالكية (٥)، . وذلك بأمر المتوكل على اللَّه الذي ولي الخلافة بعد أخيه الواثق باللَّه.

وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكِنَاني (٦)، صاحب كتاب الحَيْدة، على أمير المؤمنين المتوكل على اللَّه، وكان من خيار الخلفاء، وأحسن صنيعًا إلى أهل السُّنَّة، بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمِّه المأمون (٧). وكان يكرم الإمام أحمد بن حنبل إكرامًا زائدًا جدًا، كما سيأتي بيانه في موضعه.

والمقصود أنَّ عبد العزيز الكِناني قال للمتوكل: يا أميرَ المؤمنين! ما رُئيَ أعجَب من أمر الواثق، قَتَلَ أحمد بن نَصْر وكان لسانُهُ يقرأ القرآن إلى أن دُفِنَ. فوجد المتوكل من ذلك وساءَه ما سمع في أخيه الواثق، فلمَّا دخل عليه الوزير محمد بن عبد الملك بن الزَّيات، قال له: في قلبي شيء من قَتْل أحمد بن


(١) تهذيب الكمال (١/ ٥٠٩).
(٢) صفة الصفوة (٢/ ٣٦٤)، تهذيب الكمال (١/ ٥١٢).
(٣) تاريخ بغداد (٥/ ١٧٩)، تهذيب الكمال (١/ ٥١٢).
(٤) في ب، ظا: الثاني والعشرين.
(٥) تاريخ بغداد (٥/ ١٨٠)، وتهذيب الكمال (١/ ٥١٣).
(٦) فقيه مناظر، من تلاميذ الإمام الشافعي. قدم بغداد أيام المأمون، فجرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، له تصانيف عديدة، قيل: منها "الحَيْدة"، رسالة في مناظرة لبثر المريسي، ونفى صاحب ميزان الاعتدال (٢/ ١٤١) نسبته إليه. الأعلام (٤/ ٢٩).
(٧) بعده في ط: فإنهم أساؤوا إلى أهل السنة، وقربوا أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم، فأمره أن ينزل جثة محمد بن نصر ويدفنه ففعل، وقد كان المتوكل يكرم. .

<<  <  ج: ص:  >  >>