للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فعلى هذا يكونُ أسنَّ من أحمد بن حنبل، ومن يحيى بن أكثم الذي ذكر ابنُ خلكان أنّه كان سبب اتصاله بالمأمون على يديه، فحظي عنده بحيث إنه أوصَى به إلى أخيه المعتصم، فولاه المعتصم القضاء، وعزل ابن أكثم. وكان لا يقطع أمرًا دونه، فكان عنده خصيصًا، ولاه القضاء والمظالم. وكان ابنُ الزيات الوزيرُ يبغضه، وبينهما منافسات وهجو (١) كما تقدَّم.

وقد بالغ ابن خلكان (٢) في ترجمته ومدحه وقرَّظه وذكره من مآثره ومحاسنه، فأطنَبَ وأكثر، وما أطيب. ولم يذكر شيئًا من مساوئه، بل ذكر امتحانه للإمام أحمد بن حنبل ذِكرًا موجزًا بأطراف الأنامل؛ وهي المحنة التي هي أسُّ (٣) ما بعدها من المحن، والفتنة التي فتحت على الناس أبواب الفتن.

وذكر [ابن خلكان] (٤) ما ضُرب به من الفالج، وما صُودِرَ به من المال، وأن ابنَه أبا الوليد محمدًا صُودِرَ بألف ألف دينارٍ ومئتي ألف دينار، وأنَّه مات قبل أبيه بشهر.

وأما الحافظ ابنُ عساكر (٥) فإنَّه بسَطَ القول في ترجمته وشرحها شرحًا مليحًا.

وقد كان الرجل أديبًا فصيحًا كريمًا جوادًا ممدَّحًا، يؤثر العطاء على المنع، والتفرقة على الجمع، وقد روى [ابن عساكر] (٦) بإسناده: أنَّه جلس يومًا مع أصحابه ينتظرون خروجَ الواثق، فقال (٧) القاضي: إنَّه ليعجبني هذان البيتان:

ولي نَظْرَةٌ لَوْ كانَ يُحْبِلُ نَاظِرٌ … بِنَظْرَتِهِ أنْثَى لَقَدْ حَبِلَتْ مِنِّي

فإنْ وَلَدَتْ ما بَيْنَ (٨) تِسْعَةِ أشْهُرٍ … إلى نَظَري إبْنًا فإنَّ ابنَها مِنِّي (٩)

وممن توفي في هذه السنة من الأعيان:

أبو ثور، إبراهيم بن خالد الكلبيّ (١٠)، أحدُ الفقهاء المشاهير؛ قال الإمام أحمد: هو عندنا في


(١) في ب، ظا: هجر.
(٢) وفيات الأعيان (١/ ٨١ - ٩١).
(٣) في ب، ظا: رأس. وأسُّ الشيء: أصله.
(٤) زيادة من (ط): وفيات الأعيان (١/ ٨٩ - ٩٠).
(٥) مختصر ابن عساكر لابن منظور (٣/ ٦٦ - ٧٨).
(٦) زيادة من ط، مختصر ابن عساكر (٣/ ٧٥) وفيه البيتان.
(٧) في ط: فقال ابن أبي دواد.
(٨) في ب، ظا: من بعد.
(٩) في أ: إلى نظرٍ، وفي مختصر ابن عساكر: إلى نظري أنثى فإن ابنها ابني.
(١٠) ويكنى أيضًا أبا عبد اللَّه البغدادي، مفتي العراق، أحد الأعلام، تفقه بالشافعي، وبرع بالعلم ولم يقلِّد أحدًا. سمع من سفيان بن عيينة وغيره. سير أعلام النبلاء (١٢/ ٧٢)، العبر (١/ ٤٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>