للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاستشار الملأ حوله فيما رأى فقالوا له: ﴿هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] يعني مُلْكهم الذي هم فيه والعيش، وأبَوا على موسى أن يعطوه شيئًا مما طلب، وقالوا له: اجمع السّحرة فإنّهم بأرضك كثير حتى تغلب بسحرك سحْرَهما، فأرسل إلى المدائن فحشر له كلّ ساحرٍ متعالم. فلمّا أتوا فرعون قالوا: بم يعمل الساحر؟ قالوا: يعمل بالحيّات. قالوا: فلا واللّه ما أحدٌ في الأرض يعمل السحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل. وما أَجْرُنا إن نحن غلبنا؟ قال لهم: أنتم أقاربي وخاصّتي، وأنا صانعٌ إليكم كلَّ شيء أحببتم، فتواعدوا يومَ الزينة ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩].

قال سعيد: فحدّثني ابن عباس أن يوم الزينة اليوم الذي أظهر اللّه فيه موسى على فرعون والسّحرة هو يوم عاشوراء، فلمّا اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر لعلّنا نتبعُ السّحرة إن كانوا هم الغالبين. يعنون موسى وهارون استهزاءً بهما، فقالوا: ﴿يَامُوسَى﴾ -بعد تريثهم بسحرهم- ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ [الأعراف: ١١٥] قالَ بَلْ أَلْقُوا ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ [الشعراء: ٤٤] فرأى مُوسى من سحرهم ما أوجَسَ في نفسه خيفةً، فأوحى الله إليه أن ألق عصاك، فلما ألقاها صارت ثعبانًا عظيمة فاغِرةً فاها، فجعلت العصي تَلَبَّسُ بالحبال حتى صارت جُرَزًا على الثعبان تدخل فيه حتى ما أبقت عصًا ولا حبلًا إلا ابتلعته، فلما عرف السّحرة ذلك قالوا: لو كان هذا سحرًا لم يبلغ (١) من سحرنا كلّ هذا، ولكنّه أمرٌ من اللّه تعالى، آمنا باللّه وبما جاء به موسى، ونتوب إلى اللّه مما كنّا عليه، فكسر اللّه ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، وظهر الحق، وبطل ما كانوا يعملون، فغُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين.

وامرأة فرعون بارزةٌ متبذِّلة (٢) تدعو اللّه بالنّصر لموسى على فرعون وأشياعه، فمن رآها من آل فرعون ظنّ أنّها إنّما ابتذلت (٣) للشفقة على فرعون وأشياعه، وإنّما كان حزنها وهمّها لموسى.

فلما طال مكثُ موسى بمواعيد فرعون الكاذبة؛ كلّما جاء بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل فإذا مضت أخلف من غده، وقال: هل يستطيع ربك أن يصنع غير هذا؟ فأرسل اللّه على قومه الطّوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادِعَ، والدَّمَ آياتٍ مفَصَّلاتٍ، كلّ ذلك يشكو إلى موسى ويطلب إليه أن يكفّها عنه، ويوافقه (٤) على أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا كفّ ذلك عنه أخلف بوعده، ونكث عهده حتى أُمِرَ موسى بالخروج بقومه، فخرج بهم ليلًا، فلما أصبح فرعون ورأى أنّهم قد مضوا، أرسل في المدائن


(١) في ط: "تبلغ"، وما هنا يعضده ما في تفسير النسائي، وب.
(٢) في ط: مبتذلة.
(٣) هكذا في أ وط وتفسير النسائي، وفي ب: تبذلت.
(٤) في ب: ويطلب إليه أن يوافقه.