للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاشرين، فتبعه بجنودٍ عظيمةٍ كثيرةٍ، وأوحى اللّه إلى البحر إذا ضربك موسى عبدي بعصاه فانفلق اثنتي عشرة فرقةً حتى يجوز موسى ومن معه، ثمّ الْتقِ على من بقي بعد من فرعون وأشياعه، فنسي (١) موسى أن يضرب البحر بالعصا، وانتهى إلى البحر وله قَصيف (٢) مخافة أن يضربه موسى بعصاه، وهو غافل فيصير عاصيًا للّه ﷿، فلما تراءى الجمعان، وتقاربا قال أصحاب موسى: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: ٦١] افعل ما أمرك به رئك فإنه لم يكذب، ولم تكذب، قال: وعدني ربي إذا أتيت البحر انفرق اثنتي عشرة فرقة حتى أجاوزه، ثمّ ذكر بعد ذلك العَصَا، فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى، فانفرق البحر كما أمره ربّه، وكما وعد موسى، فلما أن جاوز موسى وأصحابه كلّهم البحر ودخل فرعون وأصحابه، التقى عليهم البحر كما أُمرَ.

فلما جاوز موسى قال أصحابه: إنّا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه (٣)، فدعا ربَّه فأخرجه له ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه.

ثمّ مرّوا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم ﴿قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٨، ١٣٩] قَدْ رأيتم من العبر، وسمعتم ما يكفيكم.

ومضى فأنزلهم موسى منزلًا وقال: أطيعوا هارون فإنّ اللّه قد استخلفه عليكم، فإنّي ذاهب إلى ربّي وأجَّلَهم ثلاثين يومًا أن يرجع إليهم فيها، فلما أتى ربَّه ﷿ وأراد أن يكلّمه في ثلاثين يومًا، وقد صامهنَّ ليلَهنَّ ونهارَهنَّ، وكره أن يكلّم ربّه وريح فِيه ريح فم الصّائم، فتناول موسى شيئًا من نبات الأرض فمضغه، فقال له ربّه حين أتاه: لم أفطرت؟ -وهو أعلم بالذي كان- قال يا ربّ إني كرهت أن أكلّمك إلّا وفمي طيّب الريح. قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب من ريح المسك. ارجع فصُم عشرًا، ثمّ ائتني. ففعل موسى ما أمره به ربُّه، فلما رأى قومُ موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل، ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم فقال: إنّكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عوار وودائعُ، ولكم فيها مثل ذلك، وأنا أرى أن تحتسبوا مالكم عندهم، ولا أحلّ لكم وديعة استُودعتموها، ولا عارية، ولسنا برَادّين إليهم شيئًا من ذلك، ولا ممسكيه لأنفسنا، فحفر حفيرًا وأَمَرَ كل قومٍ عندهم من ذلك من متاع أو حليةٍ أن يقذفوه في ذلك الحفير. ثمّ أوقد عليه النار فأحرقه فقال: لا يكون لنا ولا لهم.


(١) في ب: فأنسي.
(٢) القصيف: الصوت الهائل يشبه صوت الرعد.
(٣) في ب: ولا نأمن بهذا له.