للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيَّامُنا عِبَرٌ للأنامِ … فمنها البُكُورُ ومنها الطُّروقُ (١)

ومنها هَنَاتٌ (٢) تُشيبُ الوليدَ … ويَخذُلُ فيها الصَّديقَ الصَّديقُ

وفتنةُ دينن لها ذُرْوَة (٣) … تَفُوتُ العيُونَ وبَحْرٌ عميقُ

قِتَالٌ متينٌ (٤)، وسَيْفٌ عَتِيدٌ … وخَوْفٌ شديدٌ، وحِصْنٌ وَثيقُ

وطُولُ صِياحٍ لداعي الصَّباحِ الـ … ـسلاحَ السلاحَ، فما يَسْتَفيقُ

فهذا طَريحٌ، وهذا جَريحٌ … وهذا حَريقٌ، وهذا غَريقُ

وهَذا قَتِيلٌ، وهذا تَلِيلُ (٥) … وآخَرُ يَشْدَخُهُ المَنْجَنيقُ

هُناكَ اغْتِصابٌ وَثَمَّ انْتِهَابٌ … ودُورٌ خَرَابٌ وكانَتْ تَرُوقُ

إذا ما سَمَوْنا (٦) إلى مَسْلَكٍ … وَجَدْناهُ قدْ سُدَّ عَنَّا الطريقُ

فباللّهِ نَبْلُغُ ما نَرْتَجي (٧) … وباللّهِ نَدْفَعُ ما لا نطيقُ

قال ابنُ جرير (٨): هذا الشعر ينشد لعليّ بن أميّة في فتنة المخلوع والمأمون.

وقد استمرَّت الفتنة والقتال ببغدادَ بين أبي أحمد أخي المعتز، وبين محمد بن عبد اللّه بن طاهر نائب المستعين، والبلد محصور، وأهله في ضيق شديد جدًّا، بقية شهور هذه السنة، وقُتل من الفريقين خلْق كثير في وقَعات متعددات، وأيام نَحْسات، فتارةً يظهرُ أصحابُ أبي أحمد ويأخذون بعضَ الأبواب، فتحملُ عليهم الطاهريّةُ فيزيحونهم عنها (٩)، ويقتلون منهم خلْقًا، ثم يتراجعون إلى مواقفهم ويصابرونهم مصابرةً عظيمة. لكنَّ أهلَ بغداد كلَّما هم إلى ضَعفٍ بسبب قلّة الميرة، والجلب إليهم (١٠).

ثم شاع بين العامّة أنَّ محمد بن عبد اللّه بن طاهر يريد أن يخلعَ المستعين ويبايعَ للمعتزّ، وذلك في أواخر السنة، فتنصَّل من ذلك واعتذَرَ إلى الخليفة وإلى العامّة، وحلف بالأيمان العظيمة (١١)، فلم تبرأ


(١) "الطُّروق": ما يطرق ليلًا.
(٢) "الهنات": الدواهي.
(٣) في ط والطبري: وسور عريض له ذروة.
(٤) في الطبري: مبيدٌ.
(٥) "التليل": الصريع.
(٦) في آ: شمرنا وابن الأثير: شرعنا.
(٧) في الطبري: نرتجيه.
(٨) تاريخ الطبري (٩/ ٣١٧)، وابن الأثير (٧/ ١٥٣).
(٩) في الأصول عنه، وأثبت ما جاء في ط.
(١٠) في ط: إلى داخل البلد.
(١١) في ط: الغليظة.

<<  <  ج: ص:  >  >>