للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يمرُّ فيها كالسَّهم، كأنه يقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (١).

وقال أحمدُ بن حمدون القصَّار: رأيت مُسلمَ بنَ الحجَّاج جاء إلى البخاري، فقبَّل بين عينيه، وقال: دعني حتى أَقَبِّلَ رجليك يا أستاذ الأستاذِين، وسَيِّدَ المُحدِّثين، وطبيبَ الحديثِ في عِلَلِه (٢). ثم سأله عن حديث كَفَّارة المجلس (٣)، فذكر له علَّته. فلمَّا فرغ قال مسلم: لا يبغضُكَ إلا حاسدٌ، وأشهدُ أنَّه ليس في الدنيا مثلُك (٤).

وقال الترمذي: لم أرَ بالعراق ولا بخراسان في معنى العِلل والتاريخ ومعرفةِ الأسانيد أعلَمَ مِنَ البخاريّ (٥). وكنَّا يومًا عند عبد اللّه بن منير فقال للبخاري: جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هذه الأمَّة. قال الترمذي: فاستجيب له فيه (٦). وقال ابنُ خَزَيْمة: ما رأيْتُ تحتَ أديمِ السَّماء أعلَمَ بحديثِ رسول اللّه وأحفَظَ له من محمّدِ بن إسماعيل البخاري (٧). ولو ذهبنا نسطّر ما أثنى عليه الأئمة في حفظه وإتقانه وعلمه وفقهه


(١) تاريخ بغداد (٢/ ٣١)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٣٢ و ٤٣٦).
(٢) طبقات السبكي (٢/ ٢٢٣)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٣٢ و ٤٣٦).
(٣) رواه أحمد في مسنده (٢/ ٤٩٤) والترمذي في سننه رقم (٣٤٣٣). قال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء) (٢/ ١٩٣) أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وصححه ورواه الحاكم في مستدركه (١/ ٥٣٧) من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولكن أعله البخاري بحديث وهيب عن ابن عقبة عن سهيل عن أبيه عن كعب قوله. قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (١٣/ ٥٤٤) كذا قال الحاكم، ووهم في ذلك فليس في هذا السند ذكر لوالد سهيل ولا كعب، والصواب عن سهيل عن عون وكذا ذكره على الصواب في (علوم الحديث). قال الحافظ: وأخرجه البيهقي في (المدخل) عن الحاكم بسنده المذكور في (علوم الحديث) عن البخاري فقال: عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين كلاهما عن حجاج بن محمد، وساق كلام البخاري، لكن قال: لا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا غير هذا الحديث وهو المنقول عن البخاري، لا قوله: لا أعلم في الدنيا في هذا الباب، فإن في الباب عدة أحاديث لا تخفى على البخاري. وكأن الحاكم وهم في هذه اللفظة، وهي قوله: في هذا الباب وإنما هي بهذا الإسناد، وهو كما قال. قال الحافظ: وأما من صححه، فإنه لا يرى هذا الاختلاف علة قادحة .. قال الحاكم (١/ ٥٣٧) بعدما ذكر حديث أبي هريرة. ولهذا الحديث شواهد عن جبير بن مطعم، وأبي برزة الأسلمي، ورافع بن خديج. فذكرها، وصحح حديث جبير بن مطعم، ووافقه الذهبي. قال الحافظ: وذكر شيخنا شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي في النكت التي جمعها على علوم الحديث لابن الصلاح: أن هذا الحديث ورد من رواية جماعة من الصحابة، عدتهم سبعة زائدة على ما ذكره الترمذي. قال الحافظ: وقد تتبعت طرقه فوجدته من رواية خمسة آخرين، فكملوا خمسة عثر نفسًا.، ووقد خرجت طرقه فيما كتبته على علوم الحديث، فذكرها وقال: ووقع لي مع ذلك من مراسيل جماعة من التابعين، وقال: وأسانيد هذه المراسيل جياد، وفي بعض هذا ما يدل على أن للحديث أصلًا. وقد استوعبت طرقها وبنيت اختلاف أسانيدها، وألفاظ متونها. ورأيت ختم هذا الفتح يعني (فتح الباري) بطريقة من طرق هذا الحديث مناسبة للختم أسوقها بالسند المتصل العالي بالسماع والإجازة إلى متنها، فذكره بطوله سندًا ومتنًا، وختم الحديث بقوله (سبحانك اللهم وبحمد، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك). أقول: فالحديث صحيح مرفوعًا وموقوفًا بطرقه وشواهده الكثيرة، والحمد للّه وانظر (فتح الباري) (١٣/ ٥٤٤ - ٥٤٦) (ع).
(٤) سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٣٦).
(٥) تهذيب الأسماء واللغات (١/ ٧٠)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٣٢).
(٦) تاريخ بغداد (٢/ ٢٦)، طبقات السبكي (٢/ ٢٢١)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٣٣).
(٧) تهذيب الأسماء واللغات (١/ ٧٠)، طبقات السبكي (٢/ ٢١٨)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>